لمحات الوجود تدل على سر العظمة الإلهية
(فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وهم يرون كل عناصر الإيمان في لمحات الوجود الدالة على روعة القدرة وسرّ العظمة التي تدلّ على الله الواحد في أكثر من جهة.
(وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) في ما يوحي به السجود من معنى الخضوع لله الذي هو عمق حقيقة الوجود الكونيّ الذي يثير القرآن الحديث عنه من خلال وحي الفطرة ، وحركة الحوار ، وإيحاءات التأمّل التي تدفع الإنسان إلى العمق العميق من إحساسات الخوف الذي يدفع نحو الخشوع في انفتاحه على الله ، وفي سجوده له.
إن للقرآن إيحاءاته التي إذا عاشها الإنسان في آفاق الصفاء الروحي ، والإشراق الفكري ، أمكن له أن يجد تأثيرها في قلبه ووجدانه وفي شعوره ، بحيث تتحرّك كل نبضة من نبضاته ، وكل خفقة من خفقاته ، بالابتهال إلى الله ، واللقاء به ، والانفتاح على آفاق قدسه ، بشكل عفويّ جذّاب ، من دون أيّ تكلّف أو جهد ، فكيف يغفل هؤلاء ذلك كله ، فيبتعدون عن الإيمان بالله الذي كان الكون كله شاهدا على وجوده وتوحيده وحكمته وتدبيره؟! وكيف يبتعد هؤلاء عن السجود له والخضوع لألوهيته ، فيتمردون عليه ويستكبرون عن عبادته في الوقت الذي (يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) [الحج : ١٨] ، وكل شيء يسبّح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم؟! إنه السؤال الكبير الذي يفرض نفسه على الواقع الذي يعيشه هؤلاء ، ولا يملكون جوابا عنه إلا الغفلة المطبقة على عقولهم من خلال إرادة الرفض للإيمان كله وللحقيقة كلها عنادا واستكبارا.
* * *