للنار ، فسره بها (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) فكأنه تحوّل إلى نار ، أو كأنه لا ينظر إليه إلا من خلال النظرة إلى النار ، فكأنه اندمج فيها بحيث ذاب وجوده في طبيعتها.
(إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ) في جلوسهم على أطرافها ليتلذّذوا بمنظر هؤلاء المؤمنين المعذّبين ، وليجعلوا من ذلك ملهاة لهم ، في ما اعتاد الطغاة أن يلهوا به من تعذيب الأبرياء.
(وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) يعاينون عذابهم واحتراقهم ويسمعون صرخاتهم ، فلا يزيدهم ذلك إلا فرحا وسرورا وطغيانا ، في ما قد يوحون لأنفسهم بالنصر.
(وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فلم يصدر منهم أيّ ذنب من الذنوب التي يرتكبها الخاطئون ليعاقبوا عليها ، ولم يحدث منهم أيّ إخلال بالنظام العام ليستحقوا النقمة التي تتنفس بهذا العذاب ، بل كلّ ما هناك أنهم آمنوا بالله العزيز القادر ، الحميد المستحق للحمد في كل حال ، ولعل ذكر هاتين الصفتين لله ، سبحانه ، يوحي بأنهما من بعض الأسس التي ارتكزوا عليها في إيمانهم به ، كما يوحي ، من طرف خفيّ ، بأن الله قادر على أن ينتقم لهؤلاء المظلومين ، لأنه وحده الذي يملك الأمر كله ، والحمد كله ، فهو مالك السماوات والأرض الذي لا ملك لغيره ولا حمد لسواه ، وهو الشاهد على كل شيء ، فلا يغيب عنه ما يفعله هؤلاء.
* * *
الصراع الدائم بين الإيمان والكفر
وتلك هي جريمة الكثيرين من المؤمنين المتقين العاملين في سبيل الله ، السائرين على خط هداه ، عند ما يخضعون للتعذيب والتشريد والقتل من قبل