هناك صلة وثيقة بينهما ، بحيث كان يدخل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو جالس بين زوجاته ، وقد اشتهرت الرواية التي تتضمن دخوله عليه وعنده عائشة وأم سلمة ، فقال لهما : احتجبا فقالتا : إنه أعمى ، فقال : أنتما تريانه.
وإذا كان ذلك قد حدث في المدينة ، بالإضافة إلى استخلافه عليها عند خروجه إلى الغزو ، فإنه يدل على عمق الصلة منذ البداية ، لا سيما إذا سلّمنا بالرواية التي تتضمن سؤاله الملحّ بأن يتلو عليه كتاب الله ويعلّمه ممّا علمه الله ، مما يدلّ على الروحية الإيمانية التي تستوعب المعرفة الدينية للقرآن وللإسلام بالمستوى الذي ينتهز فيه الفرصة الدائمة لاكتساب العلم.
إن ذلك كله قد يوحي بوحدة الحال بينه وبين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بحيث يغيب عن العلاقة أيّ طابع رسميّ ، مما يجعل إعراض النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، اعتمادا على ما بينهما من الصلة التي تسمح له بتأخير الحديث معه إلى فرصة أخرى ، من دون أن يترك أيّ أثر سلبيّ في نفسه ، لا سيّما إذا كان ذلك لمصلحة الدين التي تجعل أي مسلم في زمن الدعوة الأوّل ، يفرح لنجاح النبي في استمالته لأي شخص من كفار قريش الوجهاء في مجتمعهم ، إلى دائرة الإيمان أو الدين الجديد ، باعتبار أن ذلك يخفف العذاب والحصار على المسلمين المستضعفين ، ومنهم ابن أم مكتوم. وبذلك يكون إعراض النبي عنه كإعراضه عن أحد أفراد أصحابه ، أو عائلته ، اتّكالا على ما بينهما من صلات عميقة ووحدة حال. كما أن العبوس لم يكن عبوس الاحتقار ، بل قد يكون أقرب إلى عبوس المضايقة النفسية التي توجد تقلّصا في الوجه عند ما يقطع أحد على الإنسان حديثه الذي يرقى إلى مستوى الأهمية لديه ، فلا يكون ، في ذلك ، أيّ عمل غير أخلاقيّ ، فلا يتنافى مع الآيات التي أكدت خلقه العظيم وسعة صدره.
النقطة الثانية : إن مدلول الآيات يوحي بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يستهدف من