حديثه مع هؤلاء الصناديد ، تزكيتهم الفكرية والروحية والعملية ، بعيدا عن مسألة الاهتمام بغناهم من ناحية ذاتية ، في ما اعتاده الناس من الاهتمام بالغني تعظيما لغناه ، ورغبة في الحصول على ماله في ما يمثله ذلك من قيمة سلبية بالمستوى الأخلاقي ، الذي يؤكد على تقييم الشخص لصفاته الفكرية والعملية الإيجابية ، وذلك هو قوله تعالى : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى* وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) للإيحاء له بأن عدم حصوله على التزكية ، بعد إقامة الحجة عليه ، من قبلك ، مدّة طويلة ، لا يمثل مشكلة بالنسبة إليك ، لأنك لم تقصّر في تقديم الفرص الفكرية بما قدمته من أساليب الإقناع ، ممّا جعل من التجربة الجديدة تجربة غير ذات موضوع ، لأنه يرفض الهداية من خلال ما يظهر من سلوكه ، الأمر الذي يجعل من الاستغراق في ذلك مضيعة للوقت ، وتفويتا لفرصة مهمّة أخرى ، وهي تنمية معرفة هذا المؤمن الداعية الذي يمكن أن يتحول إلى عنصر مؤثّر في الدعوة الإسلامية. فأين هي المشكلة الأخلاقية المنافية للعصمة في هذا كله؟
النقطة الثالثة : إن السورة قد تكون واردة في مقام توجيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الاهتمام بالفئة المستضعفة التي تخشى الله وتؤمن به ، لتعميق تجربتها الروحية ، وتنمية معرفتها القرآنية الإسلامية ، لأن ذلك ممّا يقوّي قاعدة المجتمع الإسلامي الصغير النامي الذي يملك أفراده الإيمان القويّ والالتزام الشديد ، ويرفع من مستوى الدعوة في اهتمامات المؤمنين بالدعوة ، ليتحوّلوا إلى دعاة أكفاء ، كما أن هذه الفئة هي الأكثر استعدادا لبذل الجهد ، وتحمّل المسؤوليات ، وتقديم التضحيات ، لأنهم الأقرب إلى روح الدعوة ، ولأنهم لم يستغرقوا في خصوصيات الدنيا ، ولم يأخذوا بامتيازاتها كما أخذ غيرهم ، فهم لا يفقدون شيئا من امتداد الإسلام ، كما يفقد الأغنياء والمستكبرون ، بل يستفيدون من ذلك. ولعلّ هذا ما نستوحيه من الظاهرة المعروفة ، وهي أن أتباع الأنبياء والمصلحين هم الفئة المستضعفة المرذولة في المجتمع ، لأن