الدعوات الرسالية والإصلاحية تعالج مشاكلها ، وتلتقي بتطلعاتها ، وتحترم إنسانيتها المسحوقة لدى الآخرين من المستكبرين.
أمّا الأغنياء ، فإن هدايتهم قد تحقق بعض الربح وبعض النتائج الإيجابية على مستوى إزالة المشاكل ، التي كانوا يثيرونها أمام الدعوة ، عن الطريق ، ولكنهم لا يستطيعون التخلّص من رواسبهم بشكل سريع ، مما قد يجعل الانصراف إليهم والانشغال بهم عن غيرهم ، موجبا لبعض النتائج الصغيرة ، على حساب النتائج الكبيرة.
وعلى ضوء ذلك ، فقد تكون هذه الآيات واردة للحديث عن المقارنة بين الاهتمام بتزكية المستضعفين من المؤمنين الذين هم القوّة الحركية للدعوة ، وبين الاهتمام بتزكية هؤلاء الذين قد يحتاج الموضوع لديهم إلى جهد كبير ، لا يملك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الوقت الكثير له في اهتماماته العامة ، في الوقت الذي لم تكن فرص هدايتهم كبيرة ، كما أنهم لن يؤثروا تأثيرا كبيرا لمصلحة الدعوة ، مع ملاحظة مهمّة ، وهي أن قوّة الدعوة التي يحققها المستضعفون ، في جهدهم وجهادهم ، سوف تحقق الامتداد للإسلام ، بحيث يدخل هؤلاء المستكبرون فيه بشكل سريع ، لأن هؤلاء لا يخضعون للمنطق ـ عادة ـ بل للقوة ، وهذا ما لاحظناه في فتح مكة الذي أفسح المجال لدخول الناس في دين الله أفواجا ، لأن الإسلام قد بلغ الذروة في القوة آنذاك.
النقطة الرابعة : إن القسوة الملحوظة في الآيات في الحديث مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تمثل ظاهرة واضحة في أكثر الآيات التي تتصل بسلامة الدعوة واستقامة خطها ، سيما في قوله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) [الحاقة : ٤٧] وقوله تعالى في الحديث عن المحاولات التي يبذلها المشركون للتأثير عليه من أجل الافتراء على الله : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً* وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ