قال الشاعر من العرب العرباء العاربة المتقدمين : [الوافر]
أرجّي أن أعيش وإن يومي |
|
بأول أو بأهون أو جبار (١) |
أو التالي دبار فإن أفته |
|
فمؤنس أو عروبة أو شيار |
وقوله تعالى : (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) فهذا مما كانت العرب أيضا في الجاهلية تحرمه وهو الذي كان عليه جمهورهم إلا طائفة منهم يقال لهم البسل كانوا يحرمون من السنة ثمانية أشهر تعمقا وتشديدا ، وأما قوله «ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» فإنما أضافه إلى مضر ليبين صحة قولهم في رجب أنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان لا كما تظنه ربيعة من أن رجب المحرم هو الشهر الذي بين جمادى وشعبان لا كما تظنه ربيعة من أن رجب المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال وهو رمضان اليوم فبين صلىاللهعليهوسلم أنه رجب مضر لا رجب ربيعة ، وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة ثلاثة سرد وواحد فرد ، لأجل أداء مناسك الحج والعمرة فحرم قبل أشهر الحج شهرا وهو ذو القعدة لأنهم يقعدون فيه عن القتال وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك وحرم بعده شهرا آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين ، وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنا.
وقوله : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي هذا هو الشرع المستقيم من امتثال أمر الله فيما جعل من الأشهر الحرم والحذو بها على ما سبق من كتاب الله الأول قال تعالى : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي في هذه الأشهر المحرمة لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف لقوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الحج :
٢٥] وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام ، ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء ، وكذا في حق من قتل في الحرم أو قتل ذا محرم.
وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس في قوله : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) قال : في الشهور كلها (٢) ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ) الآية ، فلا تظلموا فيهن أنفسكم في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر
__________________
(١) البيت الأول لبعض شعراء الجاهلية في لسان العرب (هون) ، وتاج العروس (هون) ، والبيتان بلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٤٩٧ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١١ ، والدرر ١ / ١٠٣ ، ولسان العرب (عرب) (جبر) ، (دبر) ، (شبر) ، (أنس) ، (هون) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٦٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٣٧ ، ويروى «أؤمّل» بدل «أرجّي».
(٢) انظر تفسير الطبري ٦ / ٣٦٦.