أعظم (١).
وقال قتادة في قوله : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها ، وإن كان الظلم على كل حال عظيما ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء ، وقال إن الله اصطفى صفايا من خلقه. اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا واصطفى من الكلام ذكره ، واصطفى من الأرض المساجد. واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم واصطفى من الأيام يوم الجمعة واصطفى من الليالي ليلة القدر فعظموا ما عظم الله. فإنما تعظيم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل (٢).
وقال الثوري عن قيس بن مسلم عن الحسن عن محمد ابن الحنفية بأن لا تحرموهن كحرمتهن وقال محمد بن إسحاق : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي لا تجعلوا حرامها حلالا ولا حلالها حراما كما فعل أهل الشرك فإنما النسيء الذي كانوا يصنعون من ذلك زيادة في الكفر (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية ، وهذا القول اختيار ابن جرير (٣).
وقوله : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) أي جميعكم (كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) أي جميعهم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) وقد اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشهر الحرام هل هو منسوخ أو محكم على قولين [أحدهما] وهو الأشهر أنه منسوخ لأنه تعالى قال هاهنا (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) وأمر بقتال المشركين ، وظاهر السياق مشعر بأنه أمر بذلك أمرا عاما ولو كان محرما في الشهر الحرام لأوشك أن يقيده بانسلاخها ولأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حاصر أهل الطائف في شهر حرام وهو ذو القعدة كما ثبت في الصحيحين أنه خرج إلى هوازن في شوال فلما كسرهم واستفاء أموالهم ورجع فلهم لجئوا إلى الطائف فعمد إلى الطائف فحاصرهم أربعين يوما وانصرف ولم يفتتحها فثبت أنه حاصر في الشهر الحرام والقول الآخر أن ابتداء القتال في الشهر الحرام حرام وأنه لم ينسخ تحريم الشهر الحرام لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) [المائدة : ٢] وقال : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) [المائدة : ١٩٤] الآية ، وقال (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٥] الآية.
وقد تقدم أنها الأربعة المقررة في كل سنة لا أشهر التسيير على أحد القولين. وأما قوله تعالى: (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) فيحتمل أنه منقطع عما قبله وأنه حكم مستأنف ويكون من باب التهييج والتحضيض أي كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم فاجتمعوا
__________________
(١) تفسير الطبري ٦ / ٣٦٦.
(٢) تفسير الطبري ٦ / ٣٦٦.
(٣) تفسير الطبري ٦ / ٣٦٦.