طريق أخرى قال الإمام أحمد (١) : حدثنا يحيى عن أنيس بن أبي يحيى ، حدثني أبي قال : سمعت أبا سعيد الخدري قال : اختلف رجلان رجل من بني خدرة ورجل من بني عمرو بن عوف ، في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال الخدري هو مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال العمري هو مسجد قباء ، فأتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألاه عن ذلك فقال : «هو هذا المسجد» لمسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال في ذلك يعني مسجد قباء.
طريق أخرى قال أبو جعفر بن جرير (٢) : حدثنا ابن بشار ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا حميد الخراط المدني سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن أبي سعيد فقلت كيف سمعت أباك يقول في المسجد الذي أسس على التقوى؟ فقال إني أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدخلت عليه في بيت لبعض نسائه فقلت : يا رسول الله أين المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال : فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض ثم قال : «هو مسجدكم هذا» ثم قال سمعت أباك يذكره ، رواه مسلم (٣) منفردا به عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد به ، ورواه عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن حاتم بن إسماعيل عن حميد الخراط به ، وقد قال بأنه مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم جماعة من السلف والخلف ، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب ، واختاره ابن جرير.
وقوله : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) دليل على استحباب الصلاة في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها على عبادة الله وحده لا شريك له ، وعلى استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحين والعباد العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء والتنزه عن ملابسة القاذورات.
وقد قال الإمام أحمد (٤) : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد الملك بن عمير ، سمعت شبيبا أبا روح يحدث عن رجل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلى بهم الصبح فقرأ الروم فيها فأوهم فلما انصرف قال : «إنه يلبس علينا القرآن إن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء ، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء» ثم رواه من طريقين آخرين عن عبد الملك بن عمير عن شبيب أبي روح من ذي الكلاع ، أنه صلى مع النبي صلىاللهعليهوسلم فذكره ، فدل هذا على أن إكمال الطهارة يسهل القيام في العبادة ويعين على إتمامها وإكمالها والقيام بمشروعاتها.
وقال أبو العالية في قوله تعالى : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) إن الطهور بالماء لحسن ولكنهم
__________________
(١) المسند ٣ / ٢٣.
(٢) تفسير الطبري ٦ / ٤٧٣ ، ٤٧٤.
(٣) كتاب الحج الحديث ٥١٤.
(٤) المسند ٣ / ٤٧١ ، ٤٧٢.