قال : سمعت أبا أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى ، فتفتح له أكمامها فيأخذ من أي ذلك شاء ، إن شاء أبيض وإن شاء أحمر ، وإن شاء أصفر ، وإن شاء أسود مثل شقائق النعمان وأرق وأحسن».
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير (١) : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور عن معمر ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : طوبى شجرة في الجنة ، يقول الله لها : تفتقي لعبدي عما شاء ، فتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها ، وعن الإبل بأزمتها ، وعما شاء من الكسوة.
وقد روى ابن جرير (٢) عن وهب بن منبه هاهنا أثرا غريبا عجيبا ، قال وهب رحمهالله : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، زهرها رياط (٣) ، وورقها برود (٤) ، وقضبانها عنبر ، وبطحاؤها ياقوت ، وترابها كافور ، ووحلها مسك ، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل ، وهي مجلس لأهل الجنة ، فبينما هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون نجبا مزمومة ، بسلاسل من ذهب ، وجوهها كالمصابيح حسنا ، ووبرها كخز المرعزّى (٥) من لينه ، عليها رحال ألواحها من ياقوت ، ودفوفها من ذهب ، وثيابها من سندس وإستبرق ، فينيخونها يقولون : إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه. قال : فيركبونها فهي أسرع من الطائر ، وأوطأ من الفراش ، نجبا من غير مهنة (٦) ، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه ، لا تصيب أذن راحلة منها أذن الأخرى ، ولا برك رحلة برك الأخرى ، حتى إن الشجرة لتتنحى عن طريقهم لئلا تفرق بين الرجل وأخيه.
قال : فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ، فإذا رأوه قالوا : اللهم أنت السلام ومنك السلام وحق لك الجلال والإكرام ، قال : فيقول تعالى عند ذلك : أنا السلام ومني السلام وعليكم حقت رحمتي ومحبتي ، مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب وأطاعوا أمري ، قال : فيقولون : ربنا لم نعبدك حق عبادتك ، ولم نقدرك حق قدرك ، فأذن لنا في السجود قدامك. قال : فيقول الله : إنها ليست بدار نصب ولا عبادة ، ولكنها دار ملك ونعيم ، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة ، فسلوني ما شئتم ، فإن لكل رجل منكم أمنيته ، فيسألونه
__________________
(١) تفسير الطبري ٧ / ٣٨٢.
(٢) تفسير الطبري ٧ / ٣٨٣.
(٣) الرياط : جمع ريطة ، وهي كل ثوب لين رقيق.
(٤) البرود : جمع برد ، وهو الموشى من الثياب.
(٥) المرعزّى ، بكسر الميم ، وسكون الراء ، وكسر العين ، وفتح الزاي المشددة : هو الزغب الذي تحت شعر العنز ، وهو ألين الصوف.
(٦) المهنة : جمع ماهن ، وهو الخادم.