الضحاك عن ابن عباس (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ، يعني لا يكون شرك ، وكذا قال أبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم ، وقال محمد بن إسحاق : بلغني عن الزهري عن عروة بن الزبير ، وغيره من علمائنا ، (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ، حتى لا يفتن مسلم عن دينه.
وقوله (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) قال الضحاك : عن ابن عباس في هذه الآية ، قال يخلص التوحيد لله ، وقال الحسن وقتادة وابن جريج (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) أن يقال لا إله إلا الله ، وقال محمد بن إسحاق : ويكون التوحيد خالصا لله ، ليس فيه شرك ، ويخلع ما دونه من الأنداد.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) ، لا يكون مع دينكم كفر ، ويشهد لهذا ما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال «أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها ، وحسابهم على الله عزوجل» (١) وفيهما عن أبي موسى الأشعري قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله عزوجل؟ فقال : «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عزوجل» (٢).
وقوله (فَإِنِ انْتَهَوْا) أي بقتالكم عما هم فيه من الكفر فكفوا عنه ، وإن لم تعلموا بواطنهم (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ، كقوله (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة : ٥] ، الآية ، وفي الآية الأخرى (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة: ١١] ، وقال (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٩٣] وفي الصحيح : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لأسامة ، لما علا ذلك الرجل بالسيف ، فقال لا إله إلا الله فضربه فقتله ، فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لأسامة : «أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ وكيف تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة؟ فقال يا رسول الله ، إنما قالها تعوذا ، قال «هلا شققت عن قلبه؟» وجعل يقول ويكرر عليه ، «من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟» قال أسامة حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ (٣).
وقوله (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) ، أي وإن استمروا على خلافكم ومحاربتكم فاعلموا أن الله مولاكم ، وسيدكم وناصركم على أعدائكم فنعم المولى
__________________
(١) أخرجه البخاري في الإيمان ١٧ ، ومسلم في الإيمان حديث ٣٤ ، ٣٦.
(٢) أخرجه البخاري في العلم باب ٤٥ ، ومسلم في الإمارة حديث ١٥٠ ، ١٥١.
(٣) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ١٥٨ ، وأبو داود في الجهاد باب ٩٥ ، وابن ماجة في الفتن باب ١ ، وأحمد في المسند ٤ / ٤٣٩ ، ٥ / ٢٠٧.