ونعم النصير. وقال محمد بن جرير (١) : حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد حدثنا أبي حدثنا أبان العطار حدثنا هشام بن عروة عن عروة أن عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن أشياء فكتب إليه عروة : سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإنك كتبت إلي تسألني ، عن مخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكة ، وسأخبرك به ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، كان من شأن خروج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكة ، أن الله أعطاه النبوة ، فنعم النبي ونعم السيد ونعم العشيرة ، فجزاه الله خيرا ، وعرفنا وجهه في الجنة ، وأحيانا على ملته وأماتنا وبعثنا عليها ، وأنه لما دعا قومه لما بعثه الله به من الهدى والنور الذي أنزل عليه لم يبعدوا منه أول ما دعاهم إليه ، وكانوا يسمعون له ، حتى إذا ذكر طواغيتهم.
وقدم ناس من الطائف من قريش لهم أموال ، أنكر ذلك عليه ناس واشتدوا عليه ، وكرهوا ما قال وأغروا به من أطاعهم ، فانعطف عنه عامة الناس ، فتركوه إلا من حفظه الله منهم ، وهم قليل فمكث بذلك ما قدر الله أن يمكث ، ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم ، فكانت فتنة شديدة الزلزال ، فافتتن من افتتن وعصم الله من شاء منهم ، فلما فعل ذلك بالمسلمين ، أمرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة ، وكان بالحبشة ملك صالح ، يقال له النجاشي ، لا يظلم أحد بأرضه ، وكان يثنى عليه مع ذلك ، وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش يتجرون فيها ، وكانت مساكن لتجارهم يجدون فيها رفاغا من الرزق ، وأمنا ومتجرا حسنا ، فأمرهم بها النبي صلىاللهعليهوسلم ، فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة ، وخافوا عليهم الفتن ، ومكث هو فلم يبرح.
فمكث بذلك سنوات يشتدون على من أسلم منهم ، ثم إنه فشا الإسلام فيها ، ودخل فيه رجال من أشرافهم ومنعتهم ، فلما رأوا ذلك استرخوا استرخاءة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعن أصحابه ، وكانت الفتنة الأولى : هي التي أخرجت من خرج من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل أرض الحبشة مخافتها ، وفرارا مما كانوا فيه من الفتن والزلزال فلما استرخى عنهم ودخل في الإسلام من دخل منهم تحدث باسترخائهم عنهم ، فبلغ من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قد استرخى عمن كان منهم بمكة ، وأنهم لا يفتنون ، فرجعوا إلى مكة وكادوا يأمنون بها ، وجعلوا يزدادون ويكثرون ، وأنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير.
وفشا الإسلام بالمدينة وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة ، فلما رأت قريش ذلك ، توامروا على أن يفتنوهم ويشتدوا ، فأخذوهم فحرصوا على أن يفتنوهم ، فأصابهم جهد شديد ، فكانت الفتنة الآخرة ، فكانت فتنتان : فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة حين أمرهم النبي صلىاللهعليهوسلم بها ، وأذن لهم في الخروج إليها ، وفتنة : لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من
__________________
(١) تفسير الطبري ٦ / ٢٤٦ ، ٢٤٧.