بصعب مع وجود قلوب مؤمنة وهداية ربانية وقوله (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما) أي اعتدت إحدى الطائفتين بعد الصلح (عَلَى الْأُخْرى) بأن رفضت حكم الله الذي قامت المصالحة بموجبه (فَقاتِلُوا) (١) مجتمعين (الَّتِي تَبْغِي) أي تعتدي (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) أي إلى الحق (فَإِنْ فاءَتْ) أي أذعنت للحق ورضيت به (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا) في حكمكم دائما وأبدا (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). (٢) وقوله تعالى في الآية (١٠) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (٣) (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) يقرر تعالى الأخوة الإسلامية ويقصر المؤمنين عليها قصرا فليس المؤمنون إلا إخوة لبعضهم بعضا ولذا وجب رأب كلّ صدع وإصلاح كل فساد يظهر بين أفرادهم وعدم التساهل في ذلك (وَاتَّقُوا اللهَ) في ذلك فلا تتوانوا أو تتساهلوا حتى تسفك الدماء المؤمنة ويتصدع بنيان الإيمان والإسلام في دياره وقوله (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فلا يتصدع بنيانكم ولا تتشتت أمتكم وتصبح جماعات وطوائف متعادية يقتل بعضها بعضا. ولما لم يتق المؤمنون الله في الإصلاح الفوري بين الطوائف الإسلامية المتنازعة حصل من الفساد والشر ما الله به عليم في الغرب الإسلامي والشرق. وقوله في الآية (١١) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ) إذ من عوامل النزاع والتقاتل وأسبابهما سخرية المؤمن بأخيه واحتقاره لضعف حاله ورثاثة ثيابه وقلة ذات يده فحرم تعالى بهذه الآية على المسلم أن يحتقر أخاه المسلم ويزدريه منبها إلى أن من احتقر وازدرى به وسخر منه قد يكون غالبا خيرا عند الله من المحتقر له والعبرة بما عند الله لا بما عند الناس والرجال في هذا والنساء سواء فلا يحل لمؤمنة أن تزدري وتحتقر أختها المؤمنة عسى أن تكون عند الله خيرا منها منزلة والعبرة بالمنزلة عند الله لا عند الناس وكما حرم السخرية بالمؤمنين والمؤمنات لإفضائها إلى العداوة والشحناء ثم التقاتل حرم كذلك اللمز والتنابز بالألقاب فقال تعالى (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) ومعنى لا تلمزوا أنفسكم أي لا يعب (٤) بعضكم بعضا بأي عيب من العيوب فإنكم كشخص واحد فمن عاب
__________________
(١) هذه الآية نص صريح في وجوب قتال أهل البغي ، وهم الذين يخرجون عن إمام المسلمين ظلما وعدوانا بعد دعوتهم إلى الطاعة لله ورسوله وإمام المسلمين ، ولا التفات إلى من يرى غير هذا ، ومن أحكام قتال أهل البغي أنه لا يقتل أسيرهم ولا يذفف على جريحهم أي لا يجهز عليه قتلا ولا تسبى ذراريهم ولا نساؤهم ولا أموالهم.
(٢) روى مسلم عن ابن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال (المقسطون عند الله تعالى يوم القيامة على منابر من نور عن يمين العرش : الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا).
(٣) الآية دليل على أن اسم الإيمان لا يزول بالبغي فإن الله تعالى قال (بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فأثبت أخوة الإيمان ولم يسقطها بالبغي. روى أن عليا سئل عن قتال أهل البغي من أهل الجمل ، وصفين ، أمشركون هم؟ قال : لا ، من الشرك فرّوا فقيل : ألمنافقون؟ قال لا لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا ، فقيل له فما حالهم؟ قال : إخواننا بغوا علينا.
(٤) قال عبد الله بن مسعود : البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبا.