أخاه المسلم كأنما عاب نفسه كما أن المعاب قد يرد العيب بعيب من عابه وهذا معنى ولا تلمزوا أنفسكم وقوله ولا تنابزوا بالألقاب أي لا يلقب المسلم أخاه بلقب يكرهه فإن ذلك يفضي إلى العداوة والمقاتلة وقوله (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) أي قبح أشدّ القبح أن يلقب المسلم بلقب الفسق بعد أن اصبح مؤمنا عدلا كاملا في أخلاقه وآدابه فلا يحل لمؤمن أن يقول لأخيه يا فاسق أو يا كافر أو يا عاهر أو يا فاسد ، إذ بئس الاسم اسم الفسوق كما أن الملقب للمسلم بألقاب السوء يعد فاسقا وبئس الاسم له أن يكون فاسقا بعد إيمانه بالله ولقائه والرسول وما جاء به ، وقوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) أي من احتقار المسلمين وازدرائهم وتلقيبهم بألقاب يكرهونها (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المتعرضون لغضب الله وعقابه. وقوله في الآية (١٢) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ينادي الله تعالى المسلمين بعنوان الإيمان إذ به أصبحوا أحياء يسمعون ويبصرون ويقدرون على الفعل والترك إذ الإيمان بمثابة الروح إذا احلت الجسم تحرك فأبصرت العين وسمعت الأذن ونطق اللسان وفهم القلب.
فيقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) (١) وهو كل ظن ليس له ما يوجبه من القرائن والأحوال والملابسات المقتضية له ، ويعلل هذا النهي المقتضى للتحريم فيقول (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وذلك كظن السوء بأهل الخير والصلاح في الأمة فإن ظن السوء فيهم قد يترتب عليه قول باطل أو فعل سوء أو تعطيل معروف ، فيكون إثما كبيرا ، وقوله (وَلا تَجَسَّسُوا) أي لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالبحث عنها والاطلاع عليها لما في ذلك من الضرر الكبير ، وقوله (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ (٢) بَعْضاً) أي لا يذكر أحدكم أخاه في غيبته بما يكره وهنا يروى في الصحيح من الأحاديث ما معناه أن رجلا سأل الرسول صلىاللهعليهوسلم عن الغيبة فقال له ذكرك أخاك يما يكره فقال الرجل فإن كان فيه ما يكره قال فإن كان فيه ما يكره فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما يكره فقد بهته والبهتان أسوأ الغيبة. وقوله أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا؟ والجواب لا قطعا إذا فكما عرض عليكم لحم أخيكم ميتا فكرهتموه فاكرهوا إذا أكل لحمه حيّا وهو (٣) عرضه والعرض أعز
__________________
(١) قالت العلماء : الظن هنا هو التهمة بدون قرينة حال تدل عليها أو تدعو إليها وقد صح الحديث بتحريم الظن السيء بقوله صلىاللهعليهوسلم في رواية الصحيح (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا).
(٢) الغيبة عامة في الدين والخلق والحسب والنسب ولا وجه لتخصيصها بواحد مما ذكر ، وكيف وقد فسرها النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله (ذكرك أخاك بما يكره).
(٣) قال قتادة كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيا ، واستعمل أكل اللحم مكان الغيبة لأن عادة العرب جارية بذلك قال الشاعر :
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم |
|
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا |