(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) : أي لا لي ولا لأنفسهم ولا لغيرهم.
(وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) : أي لا أريد منهم ما يريد أرباب العبيد من عبيدهم هذا يجمع المال وهذا يعد الطعام ، فالله هو الذي يرزقهم.
(ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) : أي صاحب القوة المتين الشديد الذي لا يعجزه شيء.
(ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) : أي نصيبا من العذاب مثل نصيب أصحابهم الذين ماتوا على الكفر.
(فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) : أي فلا يطالبوني بالعذاب فإن له موعدا لا يخلفونه.
(مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) : أي يوم القيامة.
معنى الآيات :
بعد عرض تلك الأدلة المقررة للتوحيد والبعث والمستلزمة للرسالة المحمدية والمشركون ما زالوا في إصرارهم على الكفر والتكذيب قال تعالى مسليا رسوله مخففا عنه ما يجده من إعراض وتكذيب : (كَذلِكَ) أي الأمر والشأن كذلك وهو أنه (ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل قومك من رسول (إِلَّا قالُوا) فيه هو (ساحِرٌ (١) أَوْ مَجْنُونٌ) كما قال قومك لك اليوم. ثم قال تعالى : (أَتَواصَوْا (٢) بِهِ) أي بهذا القول كل أمة توصى التي بعدها بأن تقول لرسولها : ساحر أو مجنون. (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) أي لم يتواصوا به وإنما جمعهم على هذا القول الطغيان الذي هو وصف عام لهم فإن الطاغي من شأنه ان ينكر ويكذب ويتهم بأبعد أنواع التهم والحامل له على ذلك طغيانه. وما دام الأمر هكذا (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) يا رسولنا أي أعرض عنهم ولا تلتفت إلى أقوالهم وأعمالهم (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) في هذا القول لأنك قد بلغت رسالتك وأديت أمانتك ولا يمنعك هذا التولى عنهم أن تذكر أي عظ بالقرآن بل عظ (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) الذين علم الله تعالى أنهم يؤمنون ممن هم غير مؤمنين الآن كما تنفع المؤمنين حاليا بزيادة إيمانهم وصبرهم على طاعة الله ربهم. وقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٣) أي لم يخلقهما للهو ولا للعب ولا
__________________
(١) (أَوْ) : بمعنى الواو إذ هم مرّة يقولون ساحر ومرّة يقولون مجنون وليس معنى ساحر أو مجنون أن يكون إما ساحرا أو مجنونا فتكون أو لأحد الشيئين.
(٢) الاستفهام للتعجب ، و (بَلْ) للاضراب الإبطالي ، أي لم يتواصوا بهذا القول الفاسد ، وإنما جمعهم الطغيان فقالوا ما قالوا ولم يتخلف قوم منهم في ذلك.
(٣) قوله : (وَما خَلَقْتُ ..). الخ فيه تعريض بالمشركين والكافرين التاركين لعبادته تعالى ، والإنس ، واحده إنسي ، والاستثناء مفرّغ من علل لم تذكر ، والإرادة هنا ؛ هي الإرادة الشرعية التكليفية ليست الإرادة الكونية التي لا تتخلف ، ولذا فلا معنى لمن قال : المراد بالناس هنا المؤمنون فقط ، أو هو على تقدير لأمرهم وأنهاهم أو أنّ المراد من العبادة : ظهور قدرة الله تعالى فيهم من الخلق والإحياء والإماتة.