لشيء وإنهما خلقهما ليعبدوه بالإذعان له والتسليم لأمره ونهيه. وقوله تعالى (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) أي إن شأني معهم ليس كشأن السادة مالكي العبيد الذين يتعبدونهم بالقيام بحاجاتهم. هذا يجمع المال وهذا يعد الطعام بل خلقتهم ليعبدوني أي يوحدوني في عبادتي ، إذ عبادتهم لي مع عبادة غيري لا أقبلها منهم ولا أثيبهم عليها بل أعذبهم على الطاعة حيث عبدوا من لا يستحق أن يعبد من سائر المخلوقات.
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (١) قرر به غناه عن خلقه ، وأعلم أنه ليس فى حاجة الى أحد وذلك لغناه المطلق ، وقدرته التى لا يعجزها فى الأرض ولا فى السماء شيء.
وقوله (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا (٢) ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) أي إذا عرفت حال من تقدم من قوم عاد وثمود وغيرهم فإن لهؤلاء المشركين ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم أي نصيبا من العذاب وعبر بالذنوب التي هي الدلو الملأى بالماء عن العذاب لأن العذاب يصب عليهم كما يصب الماء من الدلو ولأن الدلاء تأتى واحدا بعد واحد فكذلك. الهلاك يتم لأمة بعد أمة حتى يسقوا كلهم مرّ العذاب ، وقوله (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) أي ما هناك حاجة بهم الى استعجال العذاب فإنه آت في إبّانه ووقته المحدد له لا محالة. وقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي بالله ولقائه والنبي وما جاء به ويل لهم من يومهم الذي يوعدون أي العذاب الشديد لهم من يومهم الذي أوعدهم الله تعالى به وهو يوم القيامة والويل واد في جهنم يسيل بصديد أهل النار والعياذ بالله.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ بيان سنة بشرية وهي التكذيب والاتهام بالباطل وقلب الحقائق لكل من جاءهم يدعوهم إلى خلاف مألوفيهم وما اعتادوه من باطل وشر فيدفعون بالقول فإذا أعياهم ذلك دفعوا بالفعل وهى الحرب والقتال.
٢ ـ بيان أن طغيان النفس يتولد عنه كل شر والعياذ بالله.
٣ ـ مشروعية التذكير ، وانه ينتفع به من أراد الله إيمانه ممن لم يؤمن ، ويزداد به إيمان المؤمنين الحاليين.
٤ ـ بيان علة خلق الإنس والجن وهي عبادة الله وحده.
__________________
(١) الجملة تعليلية لما سبقها من قوله : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) و (الرَّزَّاقُ) : كثير الإرزاق و (ذُو الْقُوَّةِ) : صاحبها ومن خصائص (ذو) أنها لا تضاف إلا إلى أمر مهم ، و (الْمَتِينُ) : الكامل في قوته الذي لا يعارض ولا يدانى.
(٢) في قوله تعالى (ذَنُوباً) إشارة إلى ما حصل لصناديد قريش إذ بعد قتلهم ألقوا في قليب ببدر فكان ذلك مصداق قوله (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً) وهي الدلو الملأى فعجبا لهذا القرآن العظيم.