(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) : أي على صورته مرة أخرى وذلك فى السماء ليلة أسرى به.
(عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) : وهي شجرة نبق عن يمين العرش لا يتجاوزها أحد من الملائكة.
(عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) : أي تأوى إليها الملائكة وأرواح الشهداء والمتقين أولياء الله.
(إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) : أي من نور الله تعالى ما يغشى.
(ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) : أي ما مال بصر محمد يمينا ولا شمالا ، ولا ارتفع عن الحد الذي حدد له.
(لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) : أي رأى جبريل في صورته ورأى رفرفا أخضر سد أفق السماء.
معنى الآيات :
قوله تعالى (وَالنَّجْمِ) (١) إلى قوله (مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) يقرر به تعالى نبوة محمد عبده ورسوله صلىاللهعليهوسلم وقد أقسم بالنجم إذا هوى وهو نجم الثريا إذا غاب في الأفق على أنه ما ضل محمد صاحب قريش الذي صاحبته منذ ولادته ولم يغب عنها ولم تغب عنه مدة تزيد على الأربعين سنة فهى صحبة كاملة (ما ضَلَ) عن طريق الهدى وهم يعرفون هذا ، (وَما غَوى) (٢) أيضا أية غواية وما لابسه جهل في قول ولا عمل فغوى به. (وَما يَنْطِقُ) بالقرآن وغيره مما يقوله ويدعو إليه عن هوى (٣) نفسه كما قد يقع من غيره من البشر (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) أي ما هو أي الذي ينطق به ويدعو إليه ويعمله إلا وحى يوحى إليه. (عَلَّمَهُ) إياه ملك (شَدِيدُ الْقُوى (٤) ذُو مِرَّةٍ) أي سلامة عقل وبدن فكان بذلك قويا روحيا وعقليا وذاتيا وهو جبريل عليهالسلام وقوله : (فَاسْتَوى) أي جبريل (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) ومعنى استوى استقر (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) أي تدلى فدنا أي قرب شيئا فشيئا حتى كان من الرسول صلىاللهعليهوسلم (قابَ قَوْسَيْنِ) أي قدر قوسين والقوس معروف آلة للرمي (أَوْ أَدْنى) أي من قاب قوسين (٥).
__________________
(١) أصل النجم : الطلوع والظهور يقال : نجم السّن : إذا طلع ، ونجم السر إذا ظهر وأطلق النجم بالغلبة على الثريا. الهوي : السقوط يقال : هوى يهوي هويا كمضى يمضي مضيا. وهوى يهوي هويا : إذا خسر للسجود ، ومن الحب يقال : هوى يهوى هوى كرضي يرضى رضا : إذا أحب.
(٢) الغيّ : ضد الرشد ، والغواية مثله : وهو فساد الرأي وتعاطي الإنسان الباطل من الأقوال والأفعال مما لا خير فيه البتة.
(٣) الهوى : ميل النفس إلى ما تحبّه أو تحبّ أن تفعله دون اقتضاء العقل السليم الحكيم له وفعله : هوى يهوى كرضي يرضى هوى.
(٤) (شَدِيدُ الْقُوى) صفة لموصوف محذوف أي : علّمه ملك شديد القوى هو جبريل اجماعا ، والمرة : تطلق على قوة الذات وعلى متانة العقل معا ، وعليهما كان جبريل عليهالسلام.
(٥) أي : مقدار قوسين.