وقوله تعالى (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (١) أي فأوحى الله تعالى إلى جبريل ما أوحى إلى نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم وقوله (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) أي ما كذب فؤاد محمد صلىاللهعليهوسلم ما رآه محمد ببصره وهو جبريل في صورته التي خلقه الله تعالى عليها ذات الستمائة جناح طول الجناح ما بين المشرق والمغرب. وقوله تعالى : (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) هذا خطاب للمشركين المنكرين لرؤية النبي صلىاللهعليهوسلم ينكر تعالى ذلك عليهم بقوله (أَفَتُمارُونَهُ) أي تجادلونه وتغالبونه أيها المشركون على ما يرى ببصره. (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) (٢) أي مرة أخرى (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) (٣) وذلك ليلة أسرى به صلىاللهعليهوسلم ، ووصفت هذه السدرة (٤) وهي شجرة النبق بأن أوراقها كآذان الفيلة وأن ثمرها كغلال هجر قال فلما غشيها من أمر الله تعالى ما غشيها تغيّرت فما أحد من خلق الله تعالى يقدر أن ينعتها من حسنها ، وسميت سدرة المنتهى لانتهاء علم كل عالم من الخلق إليها أو لكونها عن يمين العرش لا يتجاوزها أحد من الملائكة. وقوله (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) أي الجنة التى تأوى إليها الملائكة وأرواح الشهداء ، والمتقين أولياء الله تعالى.
وقوله تعالى : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) (٥) أي من نور الله تعالى ، والملائكة من حب الله مثل الغربان حين تقفز على الشجر كذا روى ابن جرير الطبرى. وقوله (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) أي ما مال بصر محمد يمينا ولا شمالا ولا ارتفع فوق الحد الذي حدد له. (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ (٦) رَبِّهِ الْكُبْرى) أي رأى جبريل في خلقه الذي يكون فيه في السماء ورأى رفرفا أخضر قد سد الأفق ورأى من عجائب خلق الله ومظاهر قدرته وعلمه ما لا سبيل إلى إدراكه والحديث عنه.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير النبوة لمحمد وإثباتها بمالا مجال للشك والجدال فيه.
٢ ـ تنزيه الرسول صلىاللهعليهوسلم عن القول بالهوى أو صدور شيء من أفعاله أو أقواله من اتباع الهوى.
٣ ـ وصف جبريل عليهالسلام.
٤ ـ إثبات رؤية النبي صلىاللهعليهوسلم لجبريل وعلى صورته التي يكون في السماء عليها مرتين.
٥ ـ تقرير حادثة الإسراء والمعراج وإثباتها للنبي صلىاللهعليهوسلم.
٦ ـ بيان حقيقة سدرة المنتهى.
__________________
(١) (ما أَوْحى) إبهام من أجل التفخيم أي : أوحى إليه شيئا عظيما.
(٢) (نَزْلَةً) على وزن فعلة من النزول دال على المرة أي : رآه إذ نزل إليه مرة أخرى.
(٣) السدر شجر معروف صحراوي فيه ثلاث ميزات : ظل ظليل وثمر لذيذ ورائحة ذكية.
(٤) هذا الوصف رواه مسلم في صحيحه.
(٥) في قوله (ما يَغْشى) من التفخيم ما فيه.
(٦) جملة : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ) تذييل أي : رأى آيات أخرى غير سدرة المنتهى وجنة المأوى وما غشي السدرة من البهجة والجلال والآيات : دلائل عظمة الله تعالى.