معنى الآيات :
قوله تعالى (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ) (٢) يخبر تعالى أنه هو الرحمن الذي علم نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم القرآن لا كما يقول المبطلون إنما يعلمه بشر. الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء وهي متجلية ظاهرة فيما يعدد من آلاء ونعم. منها خلقه الإنسان آدم وذريته ، وتعليمهم البيان وهو النطق والإبانة عما في نفوسهم. (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (٣) يجريان لإفادة الناس في معرفة أوقات عباداتهم ، وآجال ديونهم وهي مظاهر الرحمة ، (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) والنجم غذاء بهائمكم والشجر فيه فاكهتكم وبعض غذائكم (يَسْجُدانِ) خضوعا لله بما أراد منهما لا يعصيان كما يعصي الثقلان. (وَالسَّماءَ رَفَعَها) عن الأرض ولم يلصقها بالأرض إنعاما منه على الثقلين في رفعها وتزيينها بكواكبها وشمسها وقمرها ، (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) (٤) أي العدل حيث أمر به وألهم وضع آلته وغرز في النفوس حبه والرغبة فيه ، من أجل ألا تجوروا في الميزان ، (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) بالعدل ، (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) أي لا تنقصوه إذا وزنتم بل وفوه كل هذا إنعام وألوان من رحمات الرحمن. (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) أي أثبتها وخفضها ودحاها لحياة الأنام. وهم الإنس والجان والحيوان ، (فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) أي أوعية الطلع ، (وَالْحَبُ) البر والشعير (ذُو الْعَصْفِ) (٥) أي التبن (وَالرَّيْحانُ) هذه أنواع الطعام للإنسان والحيوان طعام وفاكهة وريحان كل هذه مظاهر الرحمة التي أفاضها الرحمن. (فَبِأَيِّ آلاءِ (٦) رَبِّكُما) يا معشر الجن والإنس (تُكَذِّبانِ). لا بشيء من نعمك ربّنا نكذب فلك الحمد.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ الرحمن مثل اسم الله لا يصح أن يطلق على غير الرب تبارك وتعالى ، فيقال فلان عزيز أو رحيم أو عليم أو حكيم ، ولكن لا يقال رحمان ، كما لا يقال إله أو الإله أو الله.
__________________
(١) اختير اسم الرحمن دون سائر الأسماء الإلهية لأمور منها : أنه الاسم الذي كان المشركون ينكرونه ، ومنها الرد على الزاعمين أن الرسول صلىاللهعليهوسلم يعلمه بشر فأخبر تعالى أن الرحمن هو الذي علّم القرآن ، ومنها : أن يكون في هذا الخبر براعة استهلال إذ السورة تعدد عشرات النعم ، ومصدرها الرحمن عزوجل.
(٢) (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) هذا الخبر عن الرحمن ، و (خَلَقَ الْإِنْسانَ) خبر ثان و (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) خبر ثالث ، و (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) خبر رابع ، والرابط تقديره بحسبانه ، فالضمير عائد على الرحمن سبحانه وتعالى.
(٣) الحسبان : مصدر حسب بمعنى : عد كالغفران : مصدر غفر والباء للملابسة.
(٤) أصل الميزان : اسم آلة الوزن ، والوزن : تقدير تعادل الأشياء ، وضبط مقادير ثقلها ، و (وَضَعَ) بمعنى : جعل ومنه الحديث : (فضعها حيث أراك الله) أي : اجعلها.
(٥) سمي التبن عصفا : لأن الريح تعصف به لخفته.
(٦) الفاء للتفريع على ما تقدم من ضروب النعم العظيمة.