(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) : أي أرسل البحرين العذب والملح يلتقيان في رأي العين.
(بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) : أي بينهما حاجز لا يبغى أحدهما على الآخر فيختلط به.
(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) : أي يخرج من مجموعها الصادق بأحدهما وهو الملح اللؤلؤ والمرجان وهو خرز أحمر ، وهو صغار اللؤلؤ.
(وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) : أي السفن المحدثات في البحر كالأعلام أي كالجبال عظما وارتفاعا.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في ذكر ما أفاض الرحمن جل جلاله من رحمته التي وسعت كل شيء من آلاء ونعم لا تحصى ولا تعد ولا تحصر فقال تعالى (خَلَقَ الْإِنْسانَ) أي الرحمن الذي تجاهله المبطلون وقالوا : وما الرحمن؟ الرحمن الذي خلق الإنسان آدم أول إنسان خلقه ومن أي شيء خلقه (مِنْ صَلْصالٍ) أي من طين ذي (١) صلصلة وصوت (كَالْفَخَّارِ) خلق الإنسان ، (وَخَلَقَ الْجَانَ) وهو عالم كعالم الإنسان خلق أصله (مِنْ مارِجٍ) وهو ما مرج واختلط من لهب النار. فبأي يا معشر الجن والإنس (آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) إنها نعم تفوق عد الإنسان من (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) من خلقهما من ملكهما من سخرهما لفائدة الإنسان؟ إنه الرحمن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢)؟) لا بشء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد. الرحمن (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) (٣) الملح والعذب أرسلهما على بعضهما فمرجا. كأنهما اختلطا إذ جعل بينهما برزخا حاجزا فهما (لا يَبْغِيانِ) فلا يختلط أحدهما بالثاني ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟ يَخْرُجُ (٤) مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) من خلق في مجموع البحرين اللؤلؤ والمرجان وهما خرز أبيض وأحمر وأخضر ولفائدة من خلقهما الرحمن؟ انها لفائدة الإنسان إذا هما نعمة ورحمة من رحمات الرحمن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (وَلَهُ الْجَوارِ) أي (٥) للرحمن (الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ) المصنوعات (فِي الْبَحْرِ) في أحواض السفن (كَالْأَعْلامِ) علوا وارتفاعا تظهر في البحر كما تظهر الجبال في البر لمصلحة من خلقها الرحمن لمصلحة الإنسان فهي إذا رحمة
__________________
(١) الصلصال : الطين اليابس ، والفخار : الطين المطبوخ ، ويسمى الخزف وجائز أن يكون كالفخار في محل نصب حال من الإنسان أي : خلقه من صلصال فصار الإنسان كالفخار في لونه وصلابته.
(٢) الاستفهام هنا : للتوبيخ على ترك الشكر.
(٣) المرج : الإرسال كقولهم : مرج الدابة : أرسلها ترعى في المرج. والمعنى : أرسل البحرين بحيث لا يحبس ماؤهما عن الجري ولا عن الالتقاء ببعضهما البعض ، ومع هذا فقد جعل بينهما برزخا ، وهو الفاصل الذي يفصل الماء الملح الأجاج عن العذب الفرات. هذه مظاهر القدرة والعلم الموجبة للتوحيد والشكر بالطاعة.
(٤) جائز أن تكون من في منهما : للسببية نحو : (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) وجائز أن تكون للابتداء وهو الأظهر.
(٥) الجوار : صفة لموصوف محذوف وهو السفن أي : وله السفن الجوار في البحر ، وجمع الجوار جارية.