وعيد من الله تعالى شديد لكل كذاب يقلب الكذب فيصف الطاهر بالخبيث والخبيث بالطيب والكاذب بالصادق ، والصادق بالكاذب أثيم منغمس فى كبائر الإثم والفواحش. يسمع هذا الأفاك الاثيم آيات الله تتلى عليه وهى القرآن الكريم ، ثم يصر على الكفر مستكبرا عن الإيمان به وبما يدعو إليه من التوحيد ، كأن لم يسمع تلك الآيات. قال تعالى لرسوله (فَبَشِّرْهُ (١) بِعَذابٍ أَلِيمٍ) وقوله تعالى (وَإِذا عَلِمَ) أي ذلك الأفاك الأثيم (مِنْ آياتِنا شَيْئاً) كأن تبلغه الآية أو الآيات من القرآن (اتَّخَذَها هُزُواً) أي أخذ يهزأ بها ويسخر منها ، ويواصل ذلك فيجعلها هزوا بها ، قال تعالى : (أُولئِكَ) أي الأفاكون الآثمون وما أكثرهم (لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أي فيه إهانة زائده تنكسر منها أنوفهم التى كانت تأنف الحق وتستكبر عنه. وقوله تعالى : (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) هذا وعيد لهم تابع للأول إذ أخبر تعالى أن من ورائهم جهنم وذلك يوم القيامة ولفظ الوراء يطلق ويراد به الأمام فهو من الألفاظ المشتركة فى معنيين فأكثر وقوله (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا (٢) شَيْئاً) أي ولا يكفى عنهم أموالهم ولا أولادهم ولا جاههم ولا كل ما كسبوا فى هذه الدنيا أي لا يدفع ذلك عنهم شيئا من العذاب ، وكذلك لا تغنى عنهم آلهتهم التى عبدوها من دون الله شيئا من دفع العذاب. (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) لا يقادر قدره ، وكيف والعظيم جل جلاله وصفه بأنه عظيم.
وقوله تعالى : (هذا هُدىً) (٣) أي هذا القرآن هدى أي يخرج من الضلالة الى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان ومن الشرك إلى التوحيد لما فيه من الهدى والنور ، ولما يدعو إليه من الحق والعدل والخير والذين كفروا به وأعرضوا عنه وهو آيات الله وحججه على خلقه هؤلاء لهم عذاب من رجز أليم أي عذاب هو من أشد أنواع العذاب لأنهم بالكفر بالآيات لم يزكوا أنفسهم ولم يطهروها فماتوا على أخبث النفوس وشرها فلا جزاء لهم إلا رجز العذاب.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ القرآن نور وأعظم نور فمن لم يهتد عليه لا يرجى له الهداية أبدا.
٢ ـ الوعيد الشديد لأهل الإفك والآثام ، والإفك الكذب المقلوب.
٣ ـ شر الناس من إذا سمع آيات الله استهزأ وسخر منها أو ممن يتلوها.
__________________
(١) البشارة تكون بالخبر السار الذي تتهلّل به البشرة بالبشر والطلاق والتبشير بالعذاب يورث اسوداد الوجه وكلوحه فالبشارة هنا من باب التهكم به أو لكون البشرة تتغير للخبر فصح إطلاق البشارة عليه.
(٢) في الآية إشارة إلى أن اصحاب هذه الصفات يكونون من أرباب الأموال لأنهم يكتسبونها بكل وسيلة ولو ببيع عقولهم وضمائرهم وأموالهم والمحافظة عليها من عوامل ردهم لدعوة الإسلام ومحاربتها كما هو مشاهد.
(٣) هذا هدى أي هذا القرآن هدى في ذاته وما يدعو إليه ومن كفر به فحرم الهداية فلم يهتد فلا جزاء له إلا جزاء العذاب الأليم.