وتبعه أصحابه وسقط في أيدي اليهود. وما إن رجع الرسول صلىاللهعليهوسلم حتى أعلن الخروج إلى بنى النضير فإنهم نقضوا عهدهم ووجب قتالهم فنزل بساحتهم وحاصرهم وجرت سفارة وانتهت بصلح يقضى بأن يجلو بنو النضير عن المدينة يحملون أموالهم على إبلهم دون السلاح ويلتحقوا بأذرعات بالشام فكان هذا أول حشر لهم إلى أرض المعاد والمحشر إلا أسرتين نزلتا بخيبر أسرة بنى الحقيق الذين منهم حيي ابن اخطب والد صفية زوج رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ولهذه الغزوة بقية ستأتي عند قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) الآيات.
من هنا علمنا أن مال بنى النضير هو لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أفاءه الله عليه فقال وما أفاء الله على رسوله منهم أي من بنى النضير. ولما طمع المؤمنون فيه قال تعالى ردا عليهم (فَما أَوْجَفْتُمْ (١) عَلَيْهِ) أى على أموال بنى النضير أي ما ركبتم إليه خيلا ولا إبلا ولا أسرعتم عدوا إليهم لأنهم في طرف المدينة فلم تتحملوا سفرا ولا تعبا ولا قتالا موتا وجراحات فلذا لا حق لكم فيها فإنها فيء وليست بغنائم. (وَلكِنَّ اللهَ (٢) يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) بدون حروب ولا قتال فيفيء عليهم بمال الكفرة الذي هو مال الله فيرده على رسله ، وقد سلط الله حسب سنته في رسله محمدا صلىاللهعليهوسلم على أعدائه بنى النضير فحاز المال بدون قتال ولا سفر فهو له دون غيره ينفقه كما يشاء ومع هذا فقد أنفقه صلىاللهعليهوسلم ولم يبق منه إلا قوت سنة لأزواجه رضى الله عنهن وأرضاهن. وقوله تعالى (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يمتنع منه قوى ، ولا يتعزز عليه شريف سرى.
وقوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ (٣) عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) أي من أموال أهل القرى التى ما فتحت عنوة ولكن صلحا فتلك الأموال تقسم فيئا على ما بيّن تعالى (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) أي قرابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم بنو هاشم وبنو المطلب. (وَالْيَتامى) الذين لا عائل لهم ، (وَالْمَساكِينِ) الذين مسكنتهم الحاجة (وَابْنِ السَّبِيلِ) وهو المسافر المنقطع عن بلاده وداره وماله. وعلة ذلك بينها تعالى بقوله : (كَيْ لا يَكُونَ) أي المال (دُولَةً) (٤) أي متداولا (بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) ، ولا يناله الضعفاء والفقراء فمن الرحمة والعدل أن يقسم الفيء على هؤلاء الأصناف المذكورين وما لله فهو ينفق في المصالح العامة وكذلك ما للرسول بعد وفاته صلىاللهعليهوسلم والباقى للمذكورين ، وكذا خمس الغنائم فإنه يوزع على المذكورين في هذه الآية أما الأربعة أخماس فعلى المجاهدين.
__________________
(١) الإيجاف : ضرب من سير الخيل وهو سير سريع والمراد : الركض للإغارة و (الركاب) اسم جمع للإبل التي تركب.
(٢) في الكلام حذف اقتضاه الإيجاز إذ التقدير : ولكن الله سلط عليهم رسوله ، والله يسلط رسله على من يشاء.
(٣) هذه الآية بداية كلام مستأنف استئنافا ابتدائيا فالأولى كانت بخاصة قسمة أموال بني النضير ، وأما هذه فهي في بيان حكم الفيء في الإسلام.
(٤) (دُولَةً) : ما يتداوله المتداولون ، والتداول : التعاقب في التصرف في شيء وأصبحت خاصة بتداول الأموال.