معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في الحديث عن فيء بنى النضير وتوزيع الرسول صلىاللهعليهوسلم له فقال تعالى (لِلْفُقَراءِ) أي أعجبوا (١) أن يعطى فيء بنى النضير (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ) أي حال كونهم في خروجهم يطلبون (فَضْلاً مِنَ اللهِ) أي رزقا يكف وجوههم عن المسآلة (وَرِضْواناً) من ربهم أي رضا عنهم لا يعقبه سخط. إذ كان الرسول صلىاللهعليهوسلم أعطى فيء بنى النضير للمهاجرين ولم يعط للأنصار إلا ما كان من أبى دجانة وسهل بن حنيف فقد ذكرا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حاجة فأعطاهما. فتكلم المنافقون للفتنة وعابوا صنيع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية يعجب منهم الرسول والمؤمنين في إنكارهم على عطاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم المهاجرين دون الأنصار ، وهو قوله تعالى (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا) (٢) (مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) أي في إيمانهم إذ صدقوا القول بالعمل ، وما كان معتقدا باطنا أصبح عملا ظاهرا بهذه الأوصاف التى ذكر تعالى للمهاجرين أعطاهم الرسول من فيء بنى النضير. وأما الأنصار الذين لم يعطهم المال الزائل وهم في غير حاجة إليه فقد أعطاهم ما هو خير من المال. واسمع ثناءه تعالى عليهم : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ) (٣) أي المدينة النبوية (وَالْإِيمانَ) أي بوأوه قلوبهم وأحبوه وألفوه. (مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل نزول المهاجرين (٤) إلى المدينة (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) من سائر المؤمنين الذين يأتون فرارا بدينهم ، (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً) أي حسدا ولا غيظا (مِمَّا أُوتُوا) أي مما أعطى الرسول صلىاللهعليهوسلم المهاجرين. (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ) (٥) غيرهم من المهاجرين (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) أي حاجة شديدة وخلة كبيرة لا يجدون ما يسدونها به ، وفي السيرة من عجيب إيثارهم العجب العجاب في أن الرجل يكون تحته امرأتان فيطلق إحداهما فإذا انتهت عدتها زوجها أخاه المهاجر فهل بعد هذا الإيثار من إيثار؟.
__________________
(١) وقيل : إنّ (لِلْفُقَراءِ) بيان لقوله : (وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ويكون : (لِلْفُقَراءِ) : قيدا لذي القربى بحيث لا يعطى منهم إلا الفقراء ، وهذا مردود ردّه الشافعي على أبي حنيفة ردا عنيفا.
(٢) (أُخْرِجُوا) : أي : أحوجهم المشركون إلى الخروج وكانوا مائة رجل كذا قال القرطبي.
(٣) (تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) لما كان التبوء يكون في الأماكن كان لا بد من تقدير لكملة الإيمان نحو : تبوءوا الدار والتزموا الإيمان أو ألفوا الإيمان على حد قولهم : علفتها تبنا وماء باردا. أي : وسقيتها ماء.
(٤) في العبارة تجوز أي : من قبل نزول أكثر المهاجرين أو من قبل نزول الرسول صلىاللهعليهوسلم بالمدينة وهو سيد المهاجرين وسيد جميع العالمين.
(٥) أخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة (أن رجلا بات به ضيف فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه فقال لامرأته : نومي الصبيان وأطفئي السراج وقربي للضيف ما عندك) فنزلت هذه الآية : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ).