تعالى لأنهم يرون أن الله تعالى يؤجل عذابهم ، وأما المؤمنون فإنهم يأخذونهم بسرعة للقاعدة (من بدل دينه فاقتلوه) فإذا أعلنوا عن كفرهم وجب قتلهم وقتالهم.
وقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (١) هذا بيان لجبنهم وخوفهم الشديد من الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين. إذ لو كانوا يفقهون لما خافوا العبد ولم يخافوا المعبود.
وقوله تعالى : (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً) (٢) أي اليهود والمنافقون (إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) بأسوار وحصون (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) أي في المباني ووراء الجدران. وقوله تعالى (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) أي العداوة بينهم قوية والبغضاء شديدة (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) في الظاهر وأنهم مجتمعون ولكن (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) أي (٣) متفرقة لا تجتمع على غير عداوة الإسلام وأهله ، وذلك لكثرة أطماعهم وأغراضهم وأنانيتهم وأمراضهم النفسية والقلبية.
وقوله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (٤) إذ لو كانوا يعقلون لما حاربوا الحق وكفروا به وهم يعملون فعرضوا أنفسهم لغضب الله ولعنته وعذابه.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير حقيقة وهي أن الكفر ملة واحدة وأن الكافرين إخوان.
٢ ـ خلف الوعد آية النفاق وعلاماته البارزة.
٣ ـ الجبن والخوف صفة من صفات اليهود اللازمة لهم ولا تنفك عنهم.
٤ ـ عامة الكفار يبدون متحدين ضد الإسلام وهم كذلك ولكنهم فيما بينهم تمزقهم العداوات وتقطعهم الأطماع وسوء الأغراض والنيات.
(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦)
__________________
(١) الفقه : إدراك المعاني الدقيقة والأسرار الخفية في كلام أهل الحكمة وذوي البصيرة.
(٢) الجملة بدل اشتمال من جملة : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) أي : لا يقاتلكم اليهود مع المنافقين مجتمعين في جيش واحد وفي الآية تهديد ليهود بني قريظة أمّا بنو النضير فقد انتهى أمرهم.
(٣) (شَتَّى) : جمع شتيت : بمعنى مفارق كقتيل وقتلى.
(٤) (ذلِكَ) الإشارة إلى ما ذكر من عدم اتفاقهم وتفرّق قلوبهم ، والباء سببية ونفي العقل عنهم نفي للازمه وهو ما يقود إليه من النجاة والسعادة.