(وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) : أي على علم من الله تعالى بأنه أهل للإضلال وعدم الهداية.
(وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) : أي ظلمة على عينيه فلا يبصر الآيات والدلائل.
(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) : أي أفلا تتذكرون أيها الناس فتتعظون.
معنى الآيات :
لما ذكر تعالى فى الآيات قبل هذه الظالمين والمتقين وجزاء كل منهم وأنه كان مختلفا باختلاف نفوس الظالمين والمتقين خبثا وطهرا ذكر هنا ما يقرر ذلك الحكم وهو اختلاف جزاء الظالمين والمتقين فقال : (أَمْ حَسِبَ (١) الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) أي اكتسبوها بجوارحهم ، والمراد بها الشرك والمعاصي (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا) بالله ربا وإلها وبكل ما أمر تعالى بالإيمان به ، (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من إقام الصلاة وآيتاه الزكاة وصيام رمضان والجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وما إلى ذلك من الصالحات. (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٢) أي ساء حكما حكمهم هذا ومعنى هذا أن الله تعالى أنكر على من يحسب هذا الحسبان ويظن هذا الظن الفاسد وهو أن يعيش الكافر والمؤمن فى هذه الحياة الكافر يعيش على المعاصى والذنوب والمؤمن على الطاعة والحسنات ثم يموتون ولا يجزى الكافر على كفره والمؤمن على إيمانه ، وأسوأ من هذا الظن ظن آخر كان ليعضهم وهو أنهم إذا ماتوا يكرمون وينعم عليهم بخير ما يكرم به المؤمنون وينعم به عليهم. وهذا غرور عجيب ، فأنكر تعالى عليهم هذا الظن الباطل وحكم انه لا يسوى بين بر وفاجر ، ولا بين مؤمن وكافر لأن ذلك مناف للعدل والحق (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) ، وأنزل الشرائع وأرسل الرسل ليعمل الناس فى هذه الحياة الدنيا فمن آمن وعمل صالحا كانت الحسنى له جزاء ، ومن كفر وعمل سوءا كانت جهنم جزاءه ، وهو معنى قوله تعالى : (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ، وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (٣) أي من خير وشر ، (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) لأن العدالة الإلهية هى التى تسود يوم القيامة وتحكم.
وقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ (٤) مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) أي جعل معبوده ما تهواه نفسه فما هويت قولا إلا قاله ، ولا عملا إلا عمله ولا اعتقادا إلا اعتقده ضاربا بالعقل والشرع عرض الحائط فلا يلتفت
__________________
(١) (أَمْ) للإضراب الانتقالي والاستفهام المقدر بعد أم استفهام إنكاري أي لا يحسب الذين اجترحوا السيئات أنهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات. والآية نزلت كما قال البغوي في نفر من المشركين في مكة قالوا للمؤمنين إن كان ما تقولون حقا لنفضلنّ عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم في الدنيا.
(٢) (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) هذه الجملة تذييل لما قبلها من إنكار حسبانهم وما اتصل به من المعاني ، والحياة والممات مصدران ميميان من الحياة والموت.
(٣) الباء للتعويض لأن ما كسبته النفس لا تجزى به وإنما تجزى بمثله وما يناسبه من خير أو شر.
(٤) الاستفهام للتعجب من حال هذا الذي اتخذ إلهه هواه والمخاطب الرسول صلىاللهعليهوسلم وكل ذي أهلية لأن يفهم عن الله تعالى من المؤمنين.