قائمة الکتاب
سورة الجمعة
٣٤٤
إعدادات
أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير [ ج ٥ ]
أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير [ ج ٥ ]
تحمیل
معنى الآيات :
قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ) أي كلفوا بالعمل بها من اليهود والنصارى (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) أي ثم لم يعملوا بما فيها من أحكام وشرائع ومن ذلك جحدهم لنعوت النبي محمد صلىاللهعليهوسلم والأمر بالإيمان به واتباعه عند ظهوره. وقوله تعالى : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (١) أي كمثل حمار يحمل على ظهره أسفارا من كتب العلم النافع وهو لا يعقل ما يحمل ولا يدرى ماذا على ظهره من الخير ، وذلك لأنه لا يقرأ ولا يفهم (٢). وقوله تعالى (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) أي المصدقة للنبي محمد صلىاللهعليهوسلم هذا المثل الذي ضربه تعالى لأهل الكتاب من يهود ونصارى. وقوله (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، ولهذا ما هداهم إلى الإسلام. لتوغلهم في الظلم والكفر والشر والفساد لم يكونوا أهلا لهداية الله تعالى.
وقوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) أي قل يا رسولنا يا أيها الذين هادوا أي يا من هم يدّعون أنهم على الملة اليهودية ، (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) حيث ادعيتم انكم أبناء الله وأحباؤه ، وأن الجنة لكم دون غيركم الى غير ذلك من دعاويكم (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ) (٣) (كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعاويكم إذ الموت طريق الدار الآخرة فتمنوه لتموتوا فتستريحوا من كروب الدنيا وأتعابها.
وقوله تعالى : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً) أخبر تعالى وهو العليم أنهم لا يتمنونه في يوم من الأيام أبدا ، وبيّن تعالى علة ذلك بقوله : (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من الذنوب والآثام الموجبة للعذاب. وقوله (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) أي من أمثال هؤلاء اليهود وسيجزيهم بظلمهم عذاب الجحيم. وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) (٤) أي قل لهم يا رسولنا إن الموت الذي تفرون منه ولا تتمنونه فرارا وخوفا
__________________
(١) قال بعض أهل العلم : أبطل الله ادعاء اليهود في ثلاث آيات من هذه السورة افتخروا بأنهم أولياء الله وأحباؤه فكذبهم بقوله : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) وبأنهم أهل كتاب فشبههم بالحمار يحمل أسفارا ، وبالسبت فشرع الله للمسلمين الجمعة فلم يبق لهم ما يفخرون به على المسلمين.
(٢) أنشد بعضهم عائبا بعض من يحمل رواية الحديث وهو لا يفهم المراد منها :
إن الرواة على جهل بما حملوا |
|
مثل الجمال عليها يحمل الودع |
لا الودع ينفعه حمل الجمال له |
|
ولا الجمال بحمل الودع تنتفع |
الودع والواحدة ودعة مناقيف صغار تخرج من قاع البحر.
(٣) الأمر فى قوله تعالى : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) للتعجيز فلذا لم يفعلوا ولو فعلوا لما بقيت فيهم عين تطرف ؛ لأنهم كاذبون.
(٤) جملة (الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) صفة للموت ، وفيه إشارة إلى خطإهم في الهلع والخوف من الموت ولا تعارض بين هذه الآية وهي تدعو إلى تمني الموت ، وبين النهي عنه في الحديث الصحيح : (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به) لأن طلب التمني من اليهود كان لتحديهم ، والنعي عن تمني الموت كان بسبب الجزع من الضر حيث يجب الصبر لما في المرض من تكفير الذنوب ، وفي الحديث :
(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) وهذا الحديث يفسّر ما تقدم فإن العبد الصالح إذا كان في سياقات الموت يحب الموت للقاء الله تعالى ، والعبد غير الصالح يكره لقاء الله كراهية اليهود لما يعلم من ذنوبه وعظيم آثامه فهو يخاف الموت لذلك.