(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) : أي ترسل في قراءته وبينه تبيينا.
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً) : أي قرآنا.
(ثَقِيلاً) : أي محمله ثقيلا العمل به لما يحوى من التكاليف.
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) : أي ساعة الليل من صلاة العشاء فما فوق كل ساعة تسمى ناشئة.
(هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) : أي هي أقوى موافقة السمع للقلب على تفهم القرآن فيها.
(وَأَقْوَمُ قِيلاً) : أي أبين قولا وأصوب قراءة من قراءة النهار لسكون الأصوات.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) : أي دم على ذكره ليلا ونهارا على أي وجه من تسبيح وتهليل وتحميد.
(وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) : أي انقطع إليه في العبادة وفي طلب الحاجة وفي كل ما يهمك.
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) : أي لا معبود بحق سواه ولا تنبغي العبادة لغيره.
(فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) : أي فوض جميع أمورك إليه فإنه يكفيك.
معنى الآيات :
قوله تعالى (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١) نادى الرب تبارك وتعالى نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم مذكرا إياه بتلك الساعة السعيدة التي فاجأه فيها الوحي لأول مرة فرجع بها ترجف بوادره فانتهى إلى خديجة وهو يقول زملوني دثروني فالمزمل (٢) هو المتزمل أي المتلفف في ثيابه ليقول له (قُمِ اللَّيْلَ (٣) إِلَّا قَلِيلاً) أي صل في الليل (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ (٤) مِنْهُ قَلِيلاً) إلى الثلث (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) أي على النصف إلى الثلثين وامتثل الرسول أمر ربه فقام مع أصحابه حتى تورمت أقدامهم. ثم خفف الله تعالى عنهم ونزل آخر هذه السورة بالرخصة في ترك القيام الواجب وبقى الندب والاستحباب وقوله تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٥) يرشده ربه إلى أحسن التلاوة وهي الترسل وعدم السرعة حتى يبين الكلمات تبيينا ويترقى القلب في معانيها. وقوله (إِنَّا (٦) سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) يخبره ربه تعالى بأنه سيلقي عليه قولا ثقيلا هو
__________________
(١) في هذا النداء بهذه الصفة معنى التلطف والتحبب كقوله صلىاللهعليهوسلم لعلي قم أبا تراب ولعبد الرحمن بن صخر أبا هريرة ، ولحذيفة بن اليمان يوم الخندق قم يا نومان.
(٢) المزمل اسم فاعل والمدثر كذلك من تزمل وتدثر والأصل المتزمل والمتدثر.
(٣) كان هذا القيام قبل فرض الصلوات الخمس واستمر بعد فرضها واجبا على النبي صلىاللهعليهوسلم دون أمته.
(٤) الجمهور يقرأ أو انقص بضم الواو للتخلص من التقاء الساكنين ، وبعضهم بكسرها أو انقص.
(٥) جائز أن يكون الترتيل المأمور به في الصلاة وقيام الليل وفي غيره ذلك من تلاوة القرآن الكريم والترتيل مأخوذ من قولهم ثغر مرتل وهو المفلج الأسنان أي المفرق بينهما فالترتيل هو تفرقة الحروف وعدم جمعها بحيث يخرج كل حرف من مخرجه يفسره قول عائشة رضي الله عنها. في وصف الترتيل لو أراد السامع أن يعد الحروف لعدها لا كسردكم هذا.
(٦) هذه الجملة مستأنفة معترضة بين قوله قم الليل وبين قوله إن ناشئة الليل لما كلفه بقيام الليل وكان شاقا أعلمه بأنه هيأه لما هو أشق من قيام الليل وهو حمل الرسالة وإبلاغها.