(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) : أي ذهب ضوءهما وذلك في بداية الانقلاب الكوني الذي تنتهي فيه هذه الحياة.
(أَيْنَ الْمَفَرُّ) : أي إلى أين الفرار.
(كَلَّا) : ردع له عن طلب الفرار.
(لا وَزَرَ) : أي لا ملجأ يتحصن به.
(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) : أي هو شاهد على نفسه حيث تنطق جوارحه بعمله.
(وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) : أي فلا بد من جزائه ولو ألقى معاذيره.
معنى الآيات :
قوله تعالى (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) أي ما الأمر كما تقولون أيها المنكرون للبعث والجزاء أقسم بيوم القيامة الذي تنكرون و (بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) التي ستحاسب وتجرى لا محالة لتبعثن (٢) ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير. وقوله تعالى (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) أي بعد موته وفنائه وتفرق أجزائه في الأرض ، والمراد من الإنسان هنا الكافر الملحد قطعا (بَلى قادِرِينَ عَلى (٣) أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) أي بلى نجمعها حال كوننا قادرين على ذلك وعلى ما هو أعظم وهو تسوية بنانه أي أصابعه بأن نجعلها كخف البعير أو حوافر الحمير ، فيصبح يتناول الطعام بفمه كالكلب والبغل والحمار. وقوله (بَلْ (٤) يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ (٥) أَمامَهُ) أي ما يجهل الإنسان قدرة خالقه على إعادة خلقه ولكنه يريد أن يواصل فجوره مستقبله كله فلا يتوب من ذنوبه ولا يؤوب من معاصيه لأن شهواته مستحكمة فيه ، وقوله تعالى (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ؟) يخبر تعالى عن المنكر للبعث من أجل مواصلة الفجور من زنا وشرب خمور بأنه يقول أيان يوم القيامة استبعادا واستنكارا
__________________
(١) في (لا) هنا توجيهان الأول ما آثره ابن جرير وهو ما اخترناه في التفسير ، وأنها نافية لدعوى سابقة ابطالا لها والكلام بعدها مستأنف. والثاني أنها أي (لا) أنها حرف نفي أدخل على (أُقْسِمُ) لقصد المبالغة في تحقيق حرمة المقسم به بحيث يوهم السامع أن المتكلم يهم أن يقسم ثم يترك القسم مخافة الحنث بالمقسم به فيقول لا أقسم به ولا أقسم بأعز منه عندي ، والمراد تأكيد القسم ووجه ثالث وهي أنها مزيدة لتقوية الكلام.
(٢) لتبعثن هو جواب القسم.
(٣) بلى حرف إبطال للنفي أي بل نجمعها أي العظام المتفرقة حال كوننا قادرين على ذلك وعلى ما هو أعظم وهو تسوية بنانه.
(٤) بل هنا للإضراب الانتقالي من تقريره حقيقة إلى أخرى أعجب وأغرب وهي الكشف عن سر إنكار الملاحدة للبعث وهو مواصلتهم الفجور عن كل خلق ودين ومروءة وأدب لانهزامهم لشهواتهم البهيمية.
(٥) اللام في ليفجر هي اللام التي يكثر وقوعها بعد مادتي الأمر والإرادة نحو وأمرت لأعدل بينكم ويريد الله ليبين لكم ، وقول كثير :
أريد لأنسى حبها فكأنما |
|
تمثل لي ليلي بكل مكان. |
وينصب الفعل بعدها بأن مضمرة وهل هي للتعليل أو زائدة خلاف.