وتسويفا للتوبة فبين تعالى له وقت مجيئه بقوله (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) (١) أي عند الموت بأن تحير واندهش (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) أي أظلم وذهب ضوءه ، (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) أي ذهب ضوءهما وذلك في بداية الانقلاب الكوني الذي تنتهي فيه هذه الحياة (يَقُولُ الْإِنْسانُ) الكافر (يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ؟) أي إلى أين الفرار يا ترى؟ قال تعالى (كَلَّا) أي لا فرار اليوم من قبضة الجبار أيها الإنسان الكافر (لا وَزَرَ) أي لا حصن ولا ملتجأ وإنما (إِلى رَبِّكَ) اليوم (الْمُسْتَقَرُّ) أي الانتهاء والاستقرار إما إلى جنة وإما إلى نار وقوله تعالى (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) أي يوم تقوم الساعة يخبر الإنسان من قبل ربه تعالى بما قدم من أعماله في حياته الخير والشر سواء وبما أخر بعد موته من سنة حسنة سنها أو سيئة كذلك وقوله تعالى (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) أي عند ما يتقدم الإنسان للاستنطاق فيخبر بما قدم وأخر هناك يحاول أن يتنصل من بعض ذنوبه فتنطق جوارحه ويختم على لسانه فيتخذ من جوارحه شهود عليه فتلك البصيرة (٢) ولو ألقى معاذيره (٣) واعتذر ولا يقبل منه ذلك لكونه شاهدا على نفسه بجوارحه.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٢ ـ بيان إفضال الله على العبد في خلقه وتركيب أعضائه.
٣ ـ معجزة قرآنية اثبتها العلم الصناعي الحديث وهي عدم تسوية خطوط الأصابع.
٤ ـ فكما خالف تعالى بين الإنسان والإنسان وبين صوت وصوت فرق بين خطوط الأصابع فلذا استعملت في الإمضاءات وقبلت في الشهادات.
٥ ـ تقرير مبدأ أن المؤمن يثاب على ما أخر من سنة حسنة يعمل بها بعده كما يأثم بترك السنة السيئة يعمل بها كذلك بعده.
__________________
(١) قرأ نافع برق البصر بفتح الراء ومعناه لمع من شدة شخوصه فهو لا يطرف وقرأ (بَرِقَ) بكسر الراء ومعناه دهش وتحير. وهذا عند موت الإنسان.
(٢) البصيرة جائز أن يراد بها الملكان بقرينة. ولو ألقى معاذيره أي لو أرخى ستوره إذ الستر بلغة اليمن المعذار وجائز أن يكون المراد بها الإنسان نفسه أي حجة على نفسه وما في التفسير أولى بمعناها.
(٣) المعاذير اسم جمع معذرة وليس جمعا ، لأن معذرة حقه أن يجمع على معاذر كمقبرة ومقابر ، والمراد من معاذر الإنسان : ما يعتذر به كقولهم : ما جاءنا من بشير ولا نذير وقولهم (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً) وقولهم (هؤُلاءِ أَضَلُّونا) وقولهم والله ربنا ما كنا مشركين.