يقول لأولئك المشركين المفيضين في الطعن في القرآن والرسول في أغلب أوقاتهم وأكثر مجالسهم (ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) أي ما أنا بأول عبد نبى وأرسل فأكون بدعا في هذا الشأن فينكر عليّ أو يستغرب مني بل سبقتني رسل كثيرة. وقوله (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ (١) بِي وَلا بِكُمْ) أي وقل لهم أيضا أني لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي مستقبلا فهل أخرج من هذه البلاد أو أقتل أو تقبل دعوتي وأنصر ولا ما يفعل بكم من تعذيبكم بحجر أو مسخ أو هدايتكم ونجاتكم. وقوله (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي ما اتبع إلّا الذي أوحى إليّ ربيّ باعتقاده أو قوله أو عمله ، فلا أحدث ولا أبتدع شيئا لم يوح الله به ابدا (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي ما أنا بالذي يملك شيئا لنفسه أو لغيره من خير أو ضير وإنما أنا نذير من عواقب الكفر والتكذيب والشرك والمعاصي فمن قبل إنذاري فكف عما يسبب العذاب نجا ، ومن رفض إنذاري فأمره إلى ربيّ إن شاء عذبه وإن شاء تاب عليه وهداه ورحمه.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤))
__________________
(١) هذا ردّ على المتعنتين من المشركين الذين يطالبون الرسول صلىاللهعليهوسلم بما لم يكن في وسعه من أمور الغيب ، وليس معناه كما قيل : إنه لا يدري هل يكون بعد موته في الجنة أو في النار ، ولا يدري هل يكون المشركون في النار أو الجنة ، إذ هذا قول باطل. وأما حديث عثمان بن مظعون في البخاري (فإنه لما قالت المرأة رحمة الله عليك يا أبا السائب إن الله أكرمك فقال لها : وما يدريك أن الله أكرمه فإني وأنا رسول الله لا أدري ما يفعل بي) فإن المراد منه عدم الجزم بمصير من مات من المسلمين ووجوب تفويض الأمر إلى الله تعالى.