نزلت فينا ويل للمطففين حتى أصبحنا أحسن كيلا ووزنا. وصدق هذا الصاحب الجليل فو الله لقد نزلت المدينة مهاجرا عام ثلاثة وسبعين وثلثمائة وألف فوجدتهم على ما كانوا عليه ولقد كنت أشفق عليهم إذا كالوا لي أو وزنوا لي. فقوله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (١) يتوعد سبحانه وتعالى بواد في جهنم بسيل صديد أهل النار الذين يبخسون الناس الكيل والميزان أي ينقصونهم ويبينهم تعالى بقوله (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) أي اشتروا منهم يأخذون كيلهم وافيا وكذا إذا وزنوا (وَإِذا كالُوهُمْ) أي كالوا لهم (٢) أو وزنوا لهم (يُخْسِرُونَ) أن ينقصون. قال تعالى موبخا لهم منكرا (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ) المطففون (٣) (أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) من قبورهم (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) هو يوم الدين والجزاء والحساب (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) خاشعين ذليلين ينتظرون حكمه فيهم ، ويطول بهم الموقف المائة سنة وأكثر وإن أحدهم ليلجمه العرق إلجاما ومنهم من يصل العرق إلى نصف أذنيه والروايات في هذا كثيرة وصحيحة.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ حرمة (٤) التطفيف في الكيل والوزن وهو أن يأخذ زائدا ولو قل أو ينقص عامدا شيئا ولو قل. وما كان بغير عمد ولا قصد فإنه مما يعفا عنه.
٢ ـ التذكير بالبعث والجزاء وتقريرهما.
٣ ـ عظم يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين ليحكم بينهم ويجزي كلا بعمله خيرا أو شرا.
(كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١)
__________________
(١) يروي بعضهم أن التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلاة وأسوأ الناس سرقة من يسرق في صلاته وروي عن سالم بن أبي الجعد : قال الصلاة بمكيال فمن أوفى أوفي له ، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله عزوجل.
(٢) شاهده قول الشاعر :
ولقد جنيتك اكمؤا وعساقلا |
|
ونهيتك عن بنات الأوبر |
والشاهد في قوله جنيتك أي جنيت لك.
(٣) المطفف مأخوذ من الطفيف وهو القليل ، والمطفف هو المقل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن والتطفيف هو النقص من حق المقدار في الموزون والمكيال ، وهو مصدر طفف إذا بلغ الطفاف ، والطفاف ما قصر عن ملء الإناء من شراب أو طعام ، ويطلق الطف على ما تجاوز عرض المكيال فهي زيادة طفيفة أو نقصان طفيف وهما محل النهي وفاء أو نقصان.
(٤) روى مالك والبزار عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال خمس بخمس : ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ، ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشى فيهم الفقر ، وما ظهرت الفاحشة فيهم إلا ظهر فيهم الطاعون ، وما طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر.