العلم الحديث فشرح الموضوع وأثبت أن ماء الرجل يخرج حقا مما ذكر الله تعالى في هذه الآية وأن ماء المرأة كذلك يخرج مما وصف عزوجل وصدق الله العظيم. وقوله تعالى (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ (١) لَقادِرٌ) أي الذي خلقه مما ذكر من ماء دافق فجعله بشرا سويا ثم أماته بعد أن كان حيا قادر على إرجاعه حيا كما كان وأعظم مما كان. وذلك (٢) (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) أي تختبر (٣) الضمائر وتكشف الأسرار وتعرف العقائد والنيات الصالحة من الفاسدة والسليمة من المعيبة ويومها (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) ليس لهذا الكافر والمكذب بالبعث والحياة الثانية ما له قوة يدفع بها عن نفسه عذاب ربه ولا ناصر ينصره فيخلصه من العذاب. وقوله تعالى (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) أقسم تعالى بالسماء ذات السحب والغيوم والأمطار ، والأرض ذات التشقق عن النباتات والزروع المختلفة على أن القرآن الكريم قول فصل وحكم عدل في كل مختلف فيه من الحق والباطل فما أخبر به وحكم فيه من أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها هو الحق الذي لا مرية فيه والصدق الذي لا كذب معه وقوله تعالى (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) أي وليس القرآن باللعب الباطل بل هو الحق من الله الذي لا باطل معه. وقوله تعالى (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) أي إن كفار قريش يمكرون بالنبي محمد صلىاللهعليهوسلم وبدعوته مكرا ويكيدون لهما كيدا. وقوله (وَأَكِيدُ كَيْداً) أي وأنا أمكر بهم أكيد لهم كيدا فمن يغلب مكره وكيده الخالق المالك أم المخلوق المملوك؟ (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) يا رسولنا (أَمْهِلْهُمْ) قليلا ، فقد كتبنا في كتاب عندنا (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) وقد أنجز الله وعده لرسوله والمؤمنين فلم يمض إلا سنيات قلائل ، ولم يبق في مكة من سلطان إلا الله ، ولا من معبود يعبد إلا الله.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير المعاد والبعث والجزاء.
٢ ـ تقرير أن أعمال العباد محصية محفوظة وأن الحساب يجري بحسبها.
٣ ـ بيان مادة تكوين الإنسان ومصدر تكوين تلك المادة.
٤ ـ التحذير من إسرار الشر وإخفاء الباطل ، وإظهار خلاف ما في الضمائر ، فإن الله تعالى عليم بذلك ، وسيختبر عباده في كل ما يسرون ويخفون.
__________________
(١) جائز أن يكون (عَلى رَجْعِهِ) ماء في الصلب كما كان قادرا إلا أن ما في التفسير أولى بقرينة يوم تبلى السرائر وذلك يوم القيامة الذي هو يوم البعث.
(٢) (تُبْلَى) نختبر وتمتحن لإظهار ما كان مستورا مخبوءا فيها من كفر وإيمان وخير وشر. ورد عن السلف أن الوضوء والغسل والصلاة والصيام والزكاة من السرائر ، وأن حيض المرأة وحملها من السرائر إذ في إمكانها إخفاءه وإظهاره.
(٣) (السَّرائِرُ) جمع سريرة وهي ما يسر العبد ويخفيه في نفسه. وما يستره من أعماله. قال الأحوص :
سيبقى لها في مضمر القلب والحشاء |
|
سريرة ود يوم تبلى السرائر |