(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) : فسنهيئه للخلة العسرى وهي العمل بما يكرهه الله ولا يرضاه ليكون قائده إلى النار.
(إِذا تَرَدَّى) : أي في جهنم فسقط فيها.
معنى الآيات :
قوله تعالى (وَاللَّيْلِ) أقسم تعالى بالليل (١) (إِذا يَغْشى) بظلامه الكون ، وبالنهار (إِذا تَجَلَّى) (٢) أي تكشف وظهر وهما آيتان من آيات الله الدالتان على ربوبيته تعالى الموجبة لألوهيته ، وأقسم بنفسه جل وعز فقال (وَما خَلَقَ (٣) الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) أي والذي خلق الذكر والأنثى آدم وحواء ثم سائر الذكور وعامة الإناث من كل الحيوانات وهو مظهر لا يقل عظمة على آيتي الليل والنهار والمقسم عليه أو جواب القسم هو قوله (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) أي إن عملكم أيها الناس لمختلف منه الحسنات الموجبة للسعادة والكمال في الدارين ومنه السيئات الموجبة للشقاء في الدارين أي دار الدنيا ودار الآخرة. وبناء على هذا (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) حق الله في المال فأنفق وتصدق في سبيل الله (وَاتَّقى) الله تعالى فآمن به وعبده ولم يشرك به (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) (٤) التي هي الخلف أي العوض المضاعف الذي واعد به تعالى من ينفق في سبيله في قوله (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) وفي قول الرسول صلىاللهعليهوسلم في الصحيح (٥) [ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم اعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا] ، فسيهيئه للخلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه الله منه في الدنيا ويثيبه عليه في الآخرة بالجنة (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) بالمال فلم يعط حق الله فيه ولم يتصدق متطوعا (٦) في سبيل الله (وَاسْتَغْنى) بماله وولده وجاهه فلم يتقرب إلى الله تعالى بطاعته في ترك معاصيه ولا في أداء فرائضه (وَكَذَّبَ) بالخلف من الله
__________________
(١) من لطائف هذا الإقسام بالليل والنهار وهما ضدان الإشارة إلى تضاد الذكر والأنثى والحسن والسوء والعسر واليسر والتصديق والتكذيب وهذا محتوى هذه السورة.
(٢) تجلى النهار وضوح ضوئه أقسم الله تعالى بكل من الليل وظلمته والنهار وضوءه لما في ذلك من مظاهر قدرة الله وعظمته على خلق الظلمات والنور.
(٣) يرى بعضهم أن المقسم به المصدر بناء على أن (ما) مصدرية والصحيح أنها موصولة وأن الإقسام كان بالرب تبارك وتعالى فإنه أعظم إقسام.
(٤) كلمة الحسنى صالحة لعدة معان وهي مؤنث الأحسن ولذا هي صفة لموصوف محذوف وتنوسي فيها ذلك فصارت اسما لما هو أحسن كالجنة والمثوبة الحسنة والنصر والعاقبة والخلف على المنفق في سبيل الله وهو الراجح هنا لاختيار ابن جرير له.
(٥) رواه البخاري وغيره.
(٦) في الآية دليل على أن الجود من مكارم الأخلاق والبخل من أرذلها ، وليس الجواد الذي يعطى في غير موضع العطاء كما ليس البخيل الذي يمنع في موضع المنع لكن الجواد الذي يعطي في موضع العطاء والبخيل الذي يمنع في موضع العطاء.