القوة المادية (فِيما إِنْ (١) مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) (٢) أنتم يا معشر كفار قريش (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) أي قلوبا (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ) أي أسماعهم (وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) من الإغناء (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) أي بحججه وبيّناته الدالة على وجوب توحيده وحاق أي نزل بهم العذاب الذي كانوا إذا خوفوا به وأنذروا استهزأوا وسخروا وقوله تعالى (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) كعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين وقوله (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) أي وكررنا الحجج وضربنا الأمثال ونوعنا العظات والعبر (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إلى الحق الذي انصرفوا عنه وهو التوحيد والاستقامة فأبوا إلّا الإصرار على الشرك والباطل فأهلكناهم. (٣) (فَلَوْ لا) أي فهلا (نَصَرَهُمُ الَّذِينَ (٤) اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) يتقربون بها إلى الله في زعمهم والجواب ما نصروهم (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) أي غابوا فلم يعثروا عليهم بالكلية. قال تعالى (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ (٥) وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي ذلك الذي تم لهم من الخذلان والعذاب هو إفكهم أي كذبهم وافتراؤهم الذي كانوا يعيشون عليه قبل هلاكهم.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ بيان أن الإعراض عن دين الله والإصرار على الفسق عن أمر الله ، والاستمرار على الخروج على طاعته إذا استوجب صاحبه العذاب ونزل به لم يغن عنه ذكاؤه ولا دهاؤه ولا علمه وحضارته ولا علوه وتطاوله.
٢ ـ بيان أن الآيات والحجج وضرب الأمثال وسوق العبر والعظات لا تنفع في هداية العبد ، إذا لم يرد الله هدايته (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) ويحيق به العذاب ويهلكه جزاء تكذيبه وكفره وإعراضه وفسقه.
__________________
(١) (فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) (ما) موصولة و (إن) نافية عدولا عن النفي بما حتى لا تجتمع ميمان ، الموصولة والنافية ارتقاء في الأسلوب.
(٢) التمكين : إعطاء المكنة : بفتح الميم وكسر الكاف وهي : القدرة والقوة ، يقال : مكن من كذا وتمكن إذا قدر عليه ، ومكنه أقدره عليه.
(٣) أصل لو لا إذا دخلت على الجملة الفعلية كانت للتحضيض على تحصيل ذلك الفعل فإذا كان الفاعل غير المخاطب بالكلام كانت للتوبيخ ، إذ لا طائل في تحضيض المخاطب على فعل غيره ، والإتيان بالموصول لما في الصلة من التنبيه على الخطأ والغلط في عبادة الأصنام التي لم تغن عنهم شيئا كقول الشاعر :
إن الذين ترونهم إخوانكم |
|
يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا |
(٤) الكلام تضمن التوبيخ للأمم الهالكة على شركهم وعنادهم لرسلهم تعريضا بقريش المصرة على الخطأ نفسه الذي هلكت به الأمم المجاورة لها لعلهم يتذكرون فيتوبون.
(٥) (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) هذه فذلكة قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا) الخ والإشارة إلى ما تضمنه قوله : اتخذوا من دون الله قربانا آلهة والافتراء نوع من الكذب كابتكار الأخبار الكاذبة ، ويرادف الاختلاق.