قال الإمام عز الدين ـ عليهالسلام ـ : قلت : بل التحقيق أن الإرجاء هو التأخير ومنه قوله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ) [الأحزاب : ٥١] قال الجوهري (١) : أرجأت الأمر أخرته.
ومنه : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) [التوبة : ١٠٦] أي مؤخرون حتى ينزل الله فيهم ما يريد ومنه سميت المرجئة.
قلت : ويكون وجه التسمية تأخيرهم القطع بالعقوبة والتخليد ، والله أعلم.
وطوائف المخالفين يتبرءون من هذا الاسم ويقولون : الإرجاء المذموم قائلوه هو مذهب من زعم أن الإيمان قول بلا عمل ، لما روي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد سئل عن المرجئة فقال : «يقولون الإيمان قول بلا عمل» ويقولون فيما يحكم الأصحاب عليه أنه الإرجاء الحقيقي هو الرجاء ، انتهى.
وقد نص على الحديث القاسم ـ عليهالسلام ـ والمرتضى (٢) ذكر في حقيقته ذلك ولفظه : وسألت عن المرجئي من هو؟ والمرجئي من زعم أن الإيمان قول بلا عمل ، وإنما سمي مرجئا ؛ لأنه أرجأ الحق ، ومعنى أرجأ الحق تركه ، وهو من الحقائق الدينية التي نصّ القاسم ـ عليهالسلام ـ أنها لا تكون إلا عن الله.
واعلم : أن من المرجئة من قطع على أن الفساق لا يدخلون النار ، وهم الكرامية والخراسانية ومقاتل بن سليمان كما قالوا بذلك في أهل الشرك.
__________________
(١) هو أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري ، أول من حاول الطيران ومات في سبيله ، لغوي من الأئمة ، وخطه يذكر مع خط ابن مقلة ، أشهر كتبه : الصحاح ، وله كتاب في العروض ومقدمة في النحو ، توفي عام ٣٩٣ ه.
(٢) محمد بن يحيى الهادي بن الحسين بن القاسم الرسي ـ عليهمالسلام ـ ، الإمام المرتضى ، المسمى جبريل أهل الأرض ولد سنة ٢٧٨ ه وأخذ عن والده مؤلفاته وغيرها ، وكان عالما بالفقه وأصول الدين ، وله من المؤلفات في الفقه : كتاب الإيضاح والنوازل وغيرهما ، وله في علم الكلام مؤلفات ، وكان زاهدا ورعا ، قام بأمر الإمامة بعد أبيه ثم تنحى عنها لأخيه الناصر ، ومدة انتصابه ستة أشهر ، بعد اعتزاله أغلق على نفسه الباب واشتغل بالعلم والعبادة حتى توفي في شهر المحرم سنة ٣١٠ ه. عن ٣٢ سنة.