نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) [الأعراف : ٤٠] فإنه تعالى حكم على الذين كذبوا بالآيات واستكبروا عنها بعدم دخول الجنة حتى يلج الجمل في ثقب الإبرة ، وكما أن ولوجه فيه محال ، فكذلك دخولهم الجنة محال ، ثم قال تعالى : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) أي ومثل ذلك الجزاء المذكور نجزي كل من أجرم ، ولا شك أن المجرم هو المذنب والفاسق مذنب قطعا ، ومثله قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ ، لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) [الزخرف : ٧٥] فإنه لم يكتف بذكر الخلود حتى أردفه بلا النافية للتفتير عنهم ، وهي تقتضي العموم في جميع الأحوال إلى غير ذلك من الآيات التي يطول تعدادها كقوله : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) [طه : ٧٤](وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) [مريم : ٧٢](وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) [الفرقان : ٦٩].
وأما السّنة : فالأخبار مشحونة بالوعيد العظيم على من سرق وزنا واغتاب وقتل النفس ، ومنه : (ومن تحسّى سما ، ووجى نفسه بحديدة) إلى غير ذلك.
والوارد من الأحاديث النبوية في الوعيد على أنواع المعاصي أكثر من أن تحصر ، وأجل من أن تذكر في ضمن غيره وتسطر.
وللمخالفين شبه عقلية وسمعية ، أما العقلية : فهو أن قالوا : الغرض بالوعيد الزجر والتخويف ، وذلك حاصل مع تجويز العفو.
والجواب : أن مع القطع على لحوق العقاب يكون أبلغ في اللطف والزجر ، قالوا : مدح الله العفو ورغب فيه فهو أحق بذلك.
وأيضا فمن توعد من الملوك ثم عفى عدّ ذلك عدلا ومدح عليه.
والجواب عن الأول : أنه مسلّم لو لم يعارضه ما يقبح العقل العفو عنده وهنا قد عارضه ذلك ، وهو أنه تعالى لو عفى لكان قد ساوى بين من أحسن وأساء ، والمعلوم أن المساواة قبيحة عقلا ، فيكون العفو قبيحا.