وأيضا فإنما يستحسن حيث لا يقتضي كذبا ، فأما إذا اقتضى إخلاف القول الذي هو كذب فلا يسلّم ، فيحمل ما رغب الله فيه ومدح عليه على ما لا يقتضي مساواة بين محسن ومسيء ، ولا يقتضي الكذب للدليل القاضي بذلك.
وعن الثاني : بأنّ الملك إذا توعد غيره فإما أن يتوعده بأن يظلمه أو يتوعده بما له أن يوصله كالحدود ورد المظلمة ، إن توعده بالظلم وهو الأغلب في الشاهد ؛ لأن أحدنا لا يستحق على غيره عقوبة ، وإنما يستحق عليه أعواضا ، والعقوبة على الله تعالى ، فمتى أخلف وعيده والحال هذه لم يسم ذلك عفوا ؛ لأن العفو إنما يكون عما يستحقه ، وإن توعده بما له أن يوصله إليه كالحدود ونحوها لم يسلم أن الخلف فيه يسمى عفوا ولا حسنا ولا يمدح عليه ، ولكنه يقال على هذا الطرف أن الحدود ونحوها يجب عليه أن يوصلها ، والله سبحانه لا يجب عليه إيصال العقاب ، فوزان المسألة ما كان للسلطان أن يوصله أو لا يوصله كما لو توعده باستيفاء دين له أو عقوبة له أن يسقطها ، كالتعزير ، والخصم حينئذ يوافق أن عدم تنفيذ ذلك عدل وحسن يستحق المدح والثناء.
وأما شبههم السمعية ، فأقواها قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ١١٦] ففي ظاهرها تصريح بمغفرة ما دون الشرك لو لا قوله : (لِمَنْ يَشاءُ) وهي أعظم مستند المرجئة وأبلغ متمسكاتهم ، ولهذا قال صاحب زهر الكمائم : هذه الآية سيوف وخناجر على حناجر المعتزلة.
وقال الإمام المهدي ـ عليهالسلام ـ : ولعمري أن هذه الآية الكريمة كالمصرحة بأنه سبحانه يغفر ما دون الشرك من غير توبة ، ولكنه لما قال : (لِمَنْ يَشاءُ) صارت مجملة ، ووجه الاستدلال بها أن الله لا يغفر أن يشرك به تفضلا ؛ لأنه قد ثبت أنه يغفره بالتوبة.
قالوا : فيجب أن يكون التقدير : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) تفضلا وذلك عام في الصغائر والكبائر.