(و) أما (الدليل على أن الفاسق لا يسمى كافرا) كما زعمت الخوارج : فهو (أن الكافر) المتصف بالكفر ، والكفر كان في الأصل التغطية ، والكافر المغطّي ، ومنه سمي البحر كافرا ؛ لأنه يستر ويغطي ما فيه ، وصار الكافر في الشرع (له أحكام مخصوصة وأسماء معلومة لا تجوز على الفاسق ، أما أحكامه : فنحو حرمة المناكحة والموارثة والدفن في مقابر المسلمين) ونحو ذلك مما لا تجري على الفاسق بالإجماع ، وأراد بنحو ذلك سبي النساء والأولاد والقتل في حق بعض الكفار أو ضرب الجزية في حق البعض ، وهذا هو المعلوم من حال الصحابة بل ربما نصوا على فساد هذه المقالة ، كما روي أن أمير المؤمنين سئل عن الخوارج أكفار هم؟ فقال : من الكفر فروا ، قيل : فمسلمون؟ قال : لو كانوا مسلمين ما قاتلناهم ، كانوا إخواننا بالأمس فبغوا علينا ، فمنع من تسميتهم كفارا أو مؤمنين ، ولم ينكر عليه فكان إجماعا هذا إن لم يكن قوله حجة.
ولنا أيضا أن الله قد شرع اللعان بين الزوجين ، ومعلوم أن أحدهما فاسق إما المرأة بالزنا ، أو الزوج بالقذف ، فلو كان الفسق كفرا لوقعت البينونة بنفس الفسق فلا يصح اللعان إذ لا لعان بين أجنبيين وكان أيضا لا يحتاج إلى حكم.
وأيضا كان يلزم إذا شرب الزوج أو زنى أن يفرّق بينه وبين امرأته ، وأن يستتاب وإلا قتل كالمرتد ، وهم يلتزمون هذا ، ولو لم يلتزموه أيضا فهم محجوجون بالإجماع ، فإن المعلوم من حال الصحابة أنهم لم يحكموا بانفساخ نكاح شارب الخمر والقاذف ونحو ذلك ، ولا يسمع عن أحد منهم ، ولهم شبه عقلية لا يلتفت إليها لضعفها ولظهور بطلانها.
وأما الشبهة السمعية فمنها : قوله تعالى : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى ، لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى ، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [الليل : ١٤ ، ١٥ ، ١٦] قالوا : الفاسق ممن يصلى النار فيجب أن يكون كافرا.