تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ، كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة : ٧٨ ، ٧٩] ونحن متعبدون بشرائع من قبلنا ما لم تنسخ على الأصح.
وما ثبت في النهي عن المنكر ثبت في الأمر بالمعروف ، وقال تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران : ١٠٤] فأمر الله تعالى أن يكون فينا من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فأوجبه على الكفاية ؛ إذ الأمر يقتضي الوجوب على الراجح ، وقال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة : ٧١] فحكم سبحانه على المؤمنين بكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوصافهم ، فمفهومه من لم يكن كذلك فليس بمؤمن ، كما أن من لم يقم الصلاة ولم يؤت الزكاة فليس بمؤمن. وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل» قيل : عن البلد ، وقيل : عن المكان ، والمراد أن تنتقل إن لم يمكن التغيير.
وفي الترمذي عن حذيفة (١) عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليوشكن الله يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم» إلى غير ذلك مما يدل على الوجوب قطعا.
ثم إن المصنّف أطلق القول بالوجوب ، وهو تابع للمتقدمين من المعتزلة فإنهم أطلقوا ، وأما المتأخرين كأبي علي وأبي هاشم وطبقتهم فإنهم فصلوا ، فجعلوا الأمر بالواجب واجبا ، والأمر بالمندوب مندوبا ، قالوا : لأنه لا يزيد حال الأمر على حال المأمور به ، فإذا جاز للمأمور أن يترك المندوب جاز للآمر أن يترك الأمر به ، فأما المنكر فلا ينقسم ؛ لأنه قسم واحد ، وهو ما يستحق عليه العقاب فيجب فيه النهي إذا تكاملت الشروط الآتية ، وإنما يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند من قال
__________________
(١) حذيفة : هو حذيفة بن اليمان ، صحابي من الطبقة الثالثة في الفقه والحديث.