بالوجوب (إذا تكاملت شروطهما) ، وشروطهما خمسة :
الأول : أن يعلم الذي يأمر بمعروف وينهى عن منكر أنّ الذي يأمر به معروف والذي ينهى عنه منكر ، وإلا لم يأمن أن يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ، ولأن الآمر لزيد مثلا بأن يفعل كذا لوجوبه يتضمن الإخبار بالوجوب إذ لو لم يكن حاكما بوجوبه لما أمر به ، وكذلك في النهي فإذا كان الخبر لا يحسن إلا مع العلم فكذلك ما يتضمنه وينبي عنه.
فإن قيل : أليس مما يجب علينا فيه الأمر والنهي المسائل الاجتهادية التي طريقها الظن ، بحيث أنا نظن وجوبها أو قبحها ولا نعلم ذلك ، ومقتضى ما ذكرتم وشرطتم أن يرتفع باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها لكونها غير معلومة؟
والجواب : أنّ الظن إنما هو في مسائلها فمتى دلت عليها الأدلة الظنية بعد توفية الاجتهاد حقه صار الوجوب والقبح فيها معلومين ؛ لأن دليل وجوب العمل بما أدى إليه الاجتهاد قطعي ، ونظيره ما إذا حصلت قرينة تقتضي الظن بأن الطعام مسموم ، وأن في سلوك هذه الطريق لحوق ضرر ، فإنه حينئذ يعلم بالعقل علما يقينا وجوب تجنب الطعام.
والطريق الثاني : أن يعلم أو يغلب على ظنه أن لأمره أو نهيه تأثيرا ، فإن علم أو غلب على ظنه العكس فاتفقوا على أنه لا يجب ، واختلفوا في الحسن ، فقيل : يحسن وينزّل منزلة استدعاء الغير إلى الدين وإقامة الحجة عليه وإزالة علته ، وقيل : يصير عبثا فيقبح ، وفرق هؤلاء بينه وبين الاستدعاء إلى الدين وأمر الله ونهيه من علم أنه لا يأتمر ولا ينتهي ، أن الغرض بهذا الاستدعاء وأمر الله ونهيه يعود إلى التمكن والإعلام وإزاحة العلة ، وذلك حاصل ، وإن علم أنه لا يقبل والغرض بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقع المعروف وأن لا يقع المنكر ، فإذا علم أو غلب في ظنه زوال الغرض صار الأمر والنهي عبثا ، فيزول الحسن مع زوال الوجوب ، وأما إذا لم يعلم ولم يغلب