على ظنه أحد الأمرين بل جوّز أن يكون لأمره تأثير وألّا يكون فههنا يجب ، وقيل : يحسن فقط ، وفي كلام الإمام القاسم ـ رحمهالله ـ ما يقضي بعدم اشتراط هذا الشرط ؛ لأنه قال ما معناه : إن كان المأمور والمنهي جاهلين بأن المأمور به معروف ، والمنهي عنه منكر وجب ، وإن لم يظن التأثير ، لإن إبلاغ الشرائع واجب إجماعا ، وإن كانا عارفين أيضا وجب لمثل قوله تعالى : (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف : ١٦٤] والمعذرة لا تكون إلا عما لا يجب.
وأيضا فلا معنى لقول من قال : بأنه إذا لم يعلم أو يظن التأثير يصير عبثا إذ أقل درجاته أن يكون من الذكر الحسن ، وقد صدر ذلك من الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ، وذلك معروف لمن نظر بعين البصيرة فأين العبث؟ ويؤيد ذلك قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف : ١٥٨] فإنه أمر الناس جميعا بالإيمان به والاتباع له ، وقد قال تعالى : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف : ١٠٣] فقد دعا إلى الإيمان من علم أنه لا يؤمن ، والله أعلم.
والثالث : أن يعلم أو يغلب في ظنه أنه إن لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر أدى إلى تضييعهما ، نحو أن يرى آلات الملاهي المعتادة موضوعة والخمر حاضر ، أو من يريد الشرب واقفا أو يشاهد الغير يصلي مع أن وقت الصلاة قد آذن بالزوال ؛ لأن الغرض وقوع المعروف وألا يقع المنكر ، فمتى علم أو غلب في ظنه زوال هذا الغرض لم يجب ولم يحسن إلا لغرض الوعظ والتذكير والزجر عن مثله ، والأمر بالتوبة عنه ونحو ذلك.
الرابع : أن لا يخاف تلفا ينزل به أو بأطرافه أو بماله المجحف أو الضرر به أو حبسه الطويل الذي يختار الضرر عنده والضرر حدوث علة أو زيادتها أو استمرارها ، قيل : أو بطء برئها ، فإن خاف ذلك لم يجب عليه اتفاقا ؛ لأن عند خوف التلف نحو قد أباح له