الشرع ما هو منكر ، كأكل الميتة وشرب الخمر ، والأخذ من مال الغير ما لا يضر به ، والتلفظ بكلمة الكفر ونحو ذلك ، فبالأولى أن يباح له ترك الأمر والنهي عند مثل هذا الخوف.
واختلفوا في الحسن إذا زال الوجوب فقيل : لا يحسن ، وقيل : يحسن مطلقا ؛ لأن فيه إعزازا للدين ، وقيل : يحسن إن صدر ممن يقتدى به وله رتبة عالية ، وإن أدى إلى هلاكه وعلى ذلك جرت أحوال كثير من أئمتنا عليهمالسلام نحو الحسين (١) وزيد (٢) ومن حذا حذوهم ، فإنهم قاتلوا في قلة من الأنصار حتى أدّى إلى الاستئصال ، فصاروا قدوة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بعدهم ، وليس صدوره ممن هو كذلك كصدوره ممن لا ينظر إليه ولا يلتفت عليه.
الخامس : ألا يعلم أو يغلب في ظنه أن أمره ونهيه يؤدي إلى تضييع واجب آخر أو فعل منكر آخر ، فإن علم أو غلب في ظنه ذلك فقيل : لا يجب ولا يحسن ؛ لأن في ذلك مفسدة ، ولأنه يكون في حكم المعين على المنكر الآخر ، وقيل : لا يسقط بل يحسن ؛ لأنه يكون بذلك مقيما للحجة معزا للدين ، ومتى فعل المأمور أو المنهي منكرا آخر أو ضيّع معروفا فإنما أتي من قبل نفسه ، ولا يوصف الآمر الناهي بأنه معين له ؛ لأن الإعانة تحتاج إلى الإرادة.
وفي الأساس : أنها إذا حصلت القدرة والتأثير للآمر الناهي ، وظن الانتقال إلى منكر
__________________
(١) هو الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب السبط الأصغر ، أبوه الوصي ، وجده النبي ، وأمه فاطمة البتول ، وجدته خديجة بنت خويلد ، أول من آمنت بالله وصدقت بكلماته ـ صلوات الله عليه ـ م وسلامه ، استشهد ـ عليهالسلام ـ وله ست وخمسون سنة ، قتله أجناد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان في كربلاء يوم الجمعة عاشر محرم سنة إحدى وستين.
(٢) هو الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهمالسلام ـ مؤسس المذهب الزيدي ، ولد عام ٧٦ ه تقريبا ، ودعى في محرم ١٢٢ ه وهو فاتح باب الجهاد ، وبه تسمى المذهب الزيدي ، واستشهد لخمس بقين من محرم عام ١٢٢ ه.