غيره لا يرخص في الترك ؛ لأن هذا منكر معلوم ، وذلك مجوّز مظنون ، وهو كلام جيد.
وقيل : إن كان ما يقع من المنكر أو يضيع من الواجب أعظم مما نهى عنه أو أمر به لم يحسن ؛ لأن الغرض بالأمر والنهي تقليل المنكر وتكثير المعروف وإلا حسن ووجب.
وقيل : إن كان المنكر الذي يحصل عند الأمر والنهي ضررا يرجع إلى الآمر الناهي لم يزل الحسن ، وإن زال الوجوب ، لقوله تعالى : (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) [لقمان : ١٧] ومعلوم أن الذي يصيبه منكر آخر ، وأيضا فمعلوم من حال الأنبياء أنهم كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، مع علمهم بأنه يلحقهم من المضار في ذلك ما يقضي بكفر فاعله أو فسقه.
وذهب القاسم ـ عليهالسلام ـ إلى أن ما يلحق الآمر الناهي من نحو تشريد وانتهاب مال غير مرخّص في الترك لما ذكر من الآية ، ولقوله : «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» (١).
وكالجهاد (والذي يدل على ذلك) المذهب الذي هو وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أدلة كثيرة منها ، (قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [آل عمران : ١٠٤] فأمر الله تعالى أن يكون فينا من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فأوجبه على الكافة ؛ إذ الأمر يقتضي الوجوب على الأرجح ، وقال تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ، كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة : ٧٨ ، ٧٩] ونحن متعبدون بشرع من قبلنا ما لم ينسخ على الأصح ، وما ثبت في النهي عن المنكر ثبت في الأمر بالمعروف ، وقال تعالى :
__________________
(١) في الجامع الصغير ورمز لمن أخرجه قال : عن أبي سعيد الخدري (حم ، طب ، هب) أحمد والطبراني والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة (حم ، ن ، هب) أحمد والنسائي والبيهقي في الشعب.