وأما ما احتجت به المعتزلة وغيرهم على إمامة أبي بكر (١) فالكلام في هذا الباب هو مع من يقول بإمامته من جهة العقد والاختيار ، فأما من يقول بإمامته من جهة نص جلي ، فالكلام معه لغو لا ثمرة فيه ، إذ لا يشتبه على أحد فساد ذلك ، وكذلك من يقول بإمامته من جهة نص خفي ، فإنه مما لا مرية في إبطاله ، فلا نشتغل بإيراد الكلام عليه.
وقد أوردت المعتزلة وغيرهم ثلاث طرق : الطريقة الأولى : إن قالوا الأمر الذي يعلم به كون الإمام إماما لا تعدوا الإمامة النص والعقد والدعوة والغلبة والإرث وغير ذلك مما اختلف في إثبات الإمامة ، وكلها ظاهر السقوط ، وإنما الذي يشتبه فيه الحال هو النص الخفي والعقد والاختيار.
قالوا : وقد بطل النص الخفي فبقي العقد والاختيار ، وإلا خرج الحق عن أيدي الأمة. والجواب : أن نقول دون إبطال النصوص خرط القتاد ، ونحن قد ذكرنا النصوص ووجه دلالتها فلا نعيده.
الطريقة الثانية : فيما استدلوا به على أن العقد والاختيار هو الطريق إلى الإمامة من الإجماعات. فنقول : إن وقع الإجماع على الاختيار فإنما يدل على حسنه ، فأما أنه الطريق إلى الإمامة فلا.
الطريقة الثالثة : هي أن قالوا : قد وقع الإجماع على إمامة أبي بكر ، فإنه وإن وقع اختلاف يوم البيعة فقد زال من بعد واستقر الإجماع ، وسكت الكل سكوت رضى ، وتابع علي أبا بكر ووالا وقاتل معه ، وصلى خلفه وأخذ نصيبه من الفيء ، وقرر أحكامه حين صار الأمر إليه ، ونحو ذلك مما يدل على أن سكوته سكوت رضى.
__________________
(١) أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيمي ، أول الخلفاء ، ولد بمكة وأسلم بها ، ومدة توليه الخلافة سنتان وثلاثة أشهر ، عهد إلى عمر بالخلافة ، قاتل أهل الردة ، فتحت في أيامه الشام وجزء من العراق ، وتوفي بالمدينة وأخباره كثيرة.