جوازها فيهم ، وعدم جوازها في غيرهم ، ولم يجمع الناس على ذلك ؛ لأن المخالف يقول : بجوازها في غيرهم وفيهم ، وليس لكم أن تأخذوا بعض القول وتدّعوا الإجماع إذ التمسك بأقل ما قيل ليس بإجماع ، ولهذا لما ادعى بعض أصحاب الشافعي الإجماع في قوله : إن دية الذمي ثلث دية المسلم ، واحتج لذلك بأن الأمة افترقت فقال بعضها : مثل دية المسلم ، وقال البعض : مثل نصف ديته ، فلا بد أن يكونوا قد اتفقوا على قول الشافعي ، وهو وجوب الثلث ، فقال العلماء : لا يصح دعوى الإجماع على قول الشافعي ؛ لأن القولين الأولين قد اشتملا على وجوب الثلث وزيادة ، وقول الشافعي قد انطوى على وجوب الثلث ، ونفي الزيادة ، فلم يقع إجماع على هذا ، كذلك هذه المسألة ؛ لأن قول بعض الأمة قد انطوى على جوازها فيهم عليهمالسلام ، وجوازها في غيرهم ، وقول البعض الآخر قد انطوى على جوازها فيهم ، ونفي جوازها في غيرهم ، فلم يقع إجماع على هذا القول الأخير ، وإنما وقع الإجماع على بعضه؟
فالجواب : أن ظاهر احتجاج أصحابنا يقضي بما ذكرته ، ولكن نسلك في الاحتجاج بهذا الدليل إلى مسلك آخر لا يبقى فيه مطعن ، فنقول : إنّ جواز الإمامة فيهم عليهمالسلام وفي غيرهم حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل قاطع ، وقد ثبت لنا بالطريقة القاطعة جوازها فيهم ـ عليهمالسلام ـ لأنه لما افترق الناس على قولين : أحدهما : قول أصحاب النص ، والثاني : قول بقية الأمة ، وقد ثبت بالدليل القاطع بطلان قول أصحاب النص وتعين الحق في قول الباقين ، وصارت صحته قطعية وإلا خرج الحق عن أيدي الأمة ، فثبت لنا جوازها فيهم ـ عليهمالسلام ـ بدليل قاطع ، ولم يحصل دليل قاطع مثل هذا على جوازها في غيرهم ، والأصل عدم الجواز فيبقى هذا الجواز في حق غيرهم منتفيا على الأصل ، وعدم الدليل في الشرعيات دليل على العدم ، وإلا لجوّزنا تكاليف شرعية ولا دليل عليها ، وفيه هدم الشرائع وبطلان التكاليف وأنه محال.