الجسم المتحرك عدمت الحركة التي كانت فيه ، والعكس ، وإنما قلنا : أنه عدم ؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون باقيا فيه مع وجود ضده ، أو منتقلا منه إلى غيره ، أم معدوما كما نقول لا يصح أن يكون باقيا ، إذ لو كان باقيا مع وجود ضده لكان الجسم متحركا ساكنا مثلا في حالة واحدة ، وهو محال إذ المعاني توجب الصفات لما هي عليه في ذاتها ، فيلزم أن توجبها في كل أوقات وجودها إذ لا اختصاص لذلك بوقت دون وقت ، ولا يصح أن يكون المعنى منتقلا ، وإلا لكان العرض منتقلا ، وانتقاله محال ؛ لأنه إن أريد بالانتقال ما هو المعقول من أنه تفريغ جهة وشغل أخرى فهو إنما ثبت في المتحيزات وبه تتميز عن غيرها ، والأعراض ليست بمتحيزة وإلا لم يصح اجتماع الأعراض الكثيرة في المحل الواحد.
وإن أريد بالانتقال أن تحل محلا آخر غير محلها الأول فهو لا يصح ؛ لأن حلول العرض في المحل المعين له كيفية في وجوده ، وكيفية الوجود لا تفارقه ، فلم يبق إلا أن يكون معدوما ، وأما أن القديم لا يعدم ، فلأن جواز القدم ينافي وجوب الوجود ويقتضي أن الموجود والمعدوم على سواء في الجواز ، وإذا كان كذلك لم يكن الوجود أولى من العدم إلا بمخصص والمخصص باطل.
وأما الدعوى الثالثة : وهو أن الأجسام لم تخل من الأعراض المحدثة ولم تتقدمها في الوجود ، والمراد بالأعراض التي لم يخل منها الجسم الأكوان الخمسة وهي : الحركة ، والسكون ، والاجتماع ، والافتراق ، والكون المطلق ، وأما ما عداها من الأعراض (١) فهي
__________________
(١) اعلم أن للمتكلمين كلاما في الأعراض وفي تقسيمها ، وقد أردنا أن نبين شيئا من ذلك لما فيه من الفائدة وقد اعتمدنا على المعراج للإمام عز الدين ـ عليهالسلام ـ فنقول : إن الخلاف فيها من جهتين ، الأولى : ذهب جمهور الزيدية والمعتزلة والمجبرة إلى أنها مستقلة بالمعلومية ، وذهب الشيخ أبو إسحاق بن عياش وأبو الحسين وابن الملاحمي والإمام يحيى بن حمزة إلى أنها صفات وأحوال بالفاعل.
الثانية : اختلف في أعدادها ، فزاد أبو علي على الاثنين والعشرين ونقص بعضهم ، وذهب الجمهور من مثبتيها إلى أنها اثنان وعشرون جنسا ، وهي : (اللون) ، حقيقته : المعنى الذي يكون هيئة لمحله ، وقيل : المعنى المدرك بحاسة البصر ، وأنواعه خمسة. (والطعم) حقيقته : المعنى المدرك باللهوات ، وأنواعه خمسة : حلاوة وحموضة ، ـ