القرآن والسنة مشحونان بنفي التشبيه نحو قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الصمد : ١] و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] وهو معلوم ضرورة من الدين ، ووجه الاستدلال ب (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) أنه لو كان جسما لم يكن واحدا ؛ لمماثلة الأجسام له ، وهذا مأخذ حسن ، والاستدلال بالسمع هنا إنما هو من طريق الجدل على من يقر بالسمع ، فأما من جهة العلم فقيل : إنه لا يصح ؛ لأن صحة السمع تنبني على العدل ، والعدل ينبني على إنه عالم لذاته وغني لذاته والجسم ليس كذلك.
واعلم : أن هذه الأدلة إنما توجّه إلى من يثبت له الجسمية حقيقة ، فأما من يخالف في العبارة فالمرجع في إبطال كلامه إلى الوضع ، وقد وجدنا أهل اللغة لا يستعملون الجسم إلا فيما كان طويلا عريضا عميقا ، ولو سلمنا استعماله في غيره لمنعنا إطلاقه على الله تعالى ؛ لإيهامه الخطأ ، وليس إذا صح أن نقول : شيء لا كالأشياء صح أن نقول : جسم لا كالأجسام ؛ لاختلاف الفائدة ، فإن فائدة قولنا : شيء ما يصح العلم به والخبر عنه ، وفائدة قولنا : جسم أنه طويل عريض عميق ، فإذا قلنا : شيء فالمراد أنه يصح العلم به والخبر عنه ، وإذا قلنا : لا كالأشياء فمرادنا أنه لا يشبه سائر الأشياء والذوات المحدثة ، وإذا قلنا : جسم فقد أفاد أنه طويل عريض عميق ، وإذا قلنا : لا كالأجسام نفينا بذلك الطول والعرض والعمق عنه ، فيكون في ذلك محض المناقضة والله أعلم.
(فصل : وإذا ثبت أنه تعالى لا يشبه الأشياء لم يجب عليه ما يجب عليها من التحيز في الجهة وشغل المكان والنزول والصعود والزيادة والنقصان) والاستراحة ، والغم والسرور ، والألم واللذة ، وهذا مذهب أهل العدل وأكثر الفرق الإسلامية.
وحكي عن الفلاسفة القول بأنه ملتذ بإدراك ذاته وكماله ، وقد حكي عن الغزّالي وحاشاه.
وروي عن بعض قدماء المعتزلة أنه تعالى يجوز عليه الغم والسرور والأسف والغيرة ،