وتعلق بما ورد من أنه تعالى يفرح بتوبة العبد ، وبما ورد في الأخبار : «لا أغير من الله تعالى» وبقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) [يس : ٣] والصحيح خلاف ذلك جميعا ؛ (لأن ذلك من توابع الجسمية والتحيز ، وهو تعالى ليس بجسم ولا متحيز) وأن هذه ألفاظ وردت في حقه على سبيل المجاز.
واعلم : أن من أثبت التجسيم أثبت توابعه من الكون في جهة ، والاستقرار على مكان ، ومن نفاه فمن حقه أن ينفي توابعه كلها.
وعن بعض الكرامية (١) نفي التجسيم وإثبات الجهة ، وأنه تعالى بجهة فوق ، وعن الكلابية (٢) صحة وصفة بأنه على العرش بلا استقرار ، ويبطل قولهم جميعا أن الجهة والمكان من لوازم الجسمية وتوابعها ، فلا يتصور ذلك مع نفيها الذي قامت الدلالة عليه وشبهتهم ما ورد من السمع مما يقتضي بأنه تعالى فوق كقوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام : ١٨](إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ١٠] ، (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) [النساء : ١٥٨] وما ورد من رفع اليدين عند الدعاء وهو متعارف عند الأمة غير متناكر.
والجواب : أن الأدلة العقلية قد قامت على نفي الجسمية وفي ذلك انتفاء لوازمها من الفوقية وغيرها ، ويجب تأويل ما قضى ظاهره بخلاف ما قامت الدلالة القاطعة عليه ، وتأويل مثل تلك الآيات والأفعال ظاهر غير مستور عند من له أدنى مسكه بعلم البيان ، وكذلك لا يجوز عليه ما يجوز على الأعراض ، ولذلك قال : (و) هو (لا يجوز عليه تعالى العدم والبطلان) والتضاد (والحلول في المحال ؛ لأن ذلك من توابع
__________________
(١) الكرامية : هم أتباع محمد بن كرام السجزي النيسابوري ، إمام الكرامية ، ولد بسجستان وجاور بمكة سنين ، ثم انتقل إلى نيسابور ومات بالقدس سنة ٢٥٥ ه وقد بقوا في خراسان حتى أوائل القرن السابع الهجري ، وكانوا يقولون : بأن الله تعالى مستقر على العرش ، وأنه جوهر إلى غير ذلك من آرائهم الشاذة.
(٢) الكلابية : هم فرقة من نابتة الحشوية أتباع محمد بن عبد الله بن كلاب القطان ، وهو من نابتة الحشوية ورئيس الفرقة الكلابية ، مات بعد سنة ٢٤٠ ه وهو أول من عرف عنه القول بقدم كلام الله.