دليل فوجب الأخذ بالمتيقن ، وطرح المشكوك المشتبه. فهذا أحد الطريقين.
الثاني : لما دللنا على أنه تعالى قادر على الإيجاد والتكوين ، فحينئذ نقيم الدلالة على أنه يستحيل في الوجود أن يكون أكثر من مؤثر واحد. وعند هذا يسقط القول بإثبات الوسائط. فهذا ما يمكن ذكره في هذا المقام.
السؤال الثاني : أن نقول ما المراد بالإحكام والإتقان؟ فإن أريد به وقوع هذه الأشياء على وفق المصلحة والمنفعة ، فهذا معقول ، وإن عنيتم به معنى آخر ، فلا بد من بيانه ثم نقول : إما أن يريدوا به كونه واقعا على وفق المصلحة (بوجه ما) (١) وإما أن يريدوا به كونه واقعا على وفق المصلحة من كل الوجوه. فإن أردتم الأول ، فهذا القدر ، لا يدل على كون الفاعل عالما فإن الفعل الذي يأتى به الجاهل ، قد يكون مطابقا للمصلحة من بعض (٢) الوجوه. وإن عنيتم به كونه مطابقا للمصلحة من كل الوجوه. فلم قلتم : إن الأمر كذلك؟ فإنا لا نعرف أن الشمس لو كانت أكبر مما هي الآن أو أصغر كانت المنافع أكمل أو أقل ، ولا نعرف أحوال الأفلاك في هذا الباب ، ولا نعرف أيضا : أن أبدان الناس لو كانت واقعة على غير هذا الوجه والشكل ، كيف كانت تكون أحوالها؟ وبالجملة : فمن الذي يمكنه إقامة الدلالة على أنه يمتنع وجود وضع أكمل مما هو الآن ، مع أن الأوضاع المغايرة لهذا الوضع أمور غير متناهية؟ ومن الذي أحاط عقله بكل تلك الأقسام ، ووقف عقله على كل ما في كل واحد منها من المنافع والمضار؟
السؤال الثالث : نزلنا عن البحث عن تفسير الإحكام والإتقان. فلم قلتم : إن كل من كان فعله محكما متقنا. فإنه يجب أن يكون عالما؟ والذي يدل على أن الأمر ليس كذلك وجوه :
الأول : أنه لا نزاع أن الجاهل بالصفة ، قد صدر عنه الفعل المحكم
__________________
(١) من (م).
(٢) كل (ت).