فقولنا : هذا الشخص إنسان قضية. موضوعها : قولنا هذا الشخص ومحمولها : قولنا إنسان. والأول شخصي ، والثاني كلّي ، فلو كان الحاكم على شيء بشيء يجب كونه متصورا لهما ، لزم وجود قوة واحدة تكون مدركة للشخص وللمعنى الكلي. وهذا عند الشيخ محال ، لأن مدرك الأشخاص يجب أن يكون جسمانيا ، ومدرك الكليات يجب أن يكون مجردا عند الشيخ.
الثاني : إن من علم شيئا لو وجب أن يعلم كونه عالما بكونه عالما. لزم في المرتبة الثالثة أن يعلم كونه عالما (١) (بكونه عالما به) (٢) وإذا كان كل ما يصح في حق واجب الوجود لذاته يجب أن يكون حاصلا بالفعل ، لزم أن تكون هذه المراتب التي لا نهاية لها ، حاصلة بالفعل في حق واجب الوجود ، بحسب علمه بكل واحد من الأشياء ، فيلزم منه حصول علوم لا نهاية لها ، لا مرة واحدة ، بل مرارا لا نهاية لها (ويلزم منه أيضا حصول علل ومعلولات لا نهاية لها) (٣) في تلك العلوم دفعة واحدة. وأنه محال. فهذا تمام السؤال على هذه الطريقة. وبالله التوفيق.
الطريق الثالث من الوجوه التي تمسك الشيخ بها في إثبات كونه تعالى عالما بالمعلومات:
أنه قال في كتاب «المبدأ والمعاد» : «إن جوهر النفس قبل حصول الصورة المجردة فيه يكون عاقلا بالقوة ، فإذا حصلت الصورة المجردة فيه ، صارت النفس بسببها عاقلة بالفعل. (فلما صار جوهر النفس بسبب حلول هذه الصورة فيه) (٤) عاقلا بالقوة ، فلو قدرنا هذه الصورة جوهرا قائما بالنفس كان أولى أن تكون عاقلة بالفعل ، كما أن الحرارة لما حلت في جوهر النار ، صار جوهر النار بسبب حلول تلك السخونة فيها مسخنا. فلو فرضنا نفس تلك الحرارة قائمة بنفسها ، وجب أن تكون أولى بكونها مسخنة».
__________________
(١) يريد أن يقول أن تعلم حالته وهو عالم ، حالته التي هو عليها وهو عالم.
(٢) بكونه عالما به (س).
(٣) من (م).
(٤) من (م).