المقدمة الأولى : قوله إنه تعالى يصح أن يكون عالما بكل واحد من المعلومات. فالدليل عليه : أنه ثبت أنه تعالى عالم قادر ، وكل من كان عالما قادرا ، فإنه يجب أن يكون حيا ، وكل من كان حيا ، فإنه لا يمتنع عليه أن يكون عالما بكل واحد من المعلومات ، والعلم به بديهي ، ينتج أنه تعالى لا يمتنع كونه عالما بكل واحد من المعلومات.
وأما المقدمة الثانية : فهي قولنا : المقتضى لتلك العالمية ليس إلا ذاته المخصوصة ، والدليل عليه : هو أنا قد بينا : أن كون الشيء عالما بالشيء نسبة مخصوصة بين العالم وبين المعلوم (والنسب لا يمكن أن تكون أمورا قائمة بأنفسها ، والعلم به ضروري. فلا بد وأن تكون صفات لغيرها) (١) فالعالمية صفة مفتقرة إلى الغير [والمفتقر إلى الغير (٢)] ، ممكن لذاته والممكن لذاته ، لا بد له من سبب. فعالمية الله تعالى لا بد لها من سبب. وذلك السبب إما أن تكون تلك الذات المخصوصة سواء كان بواسطة أو بغير واسطة ، وإما أن تكون غير تلك الذات ، والقسم الثاني باطل. وإلا لزم أن يفتقر في حصول صفة العالمية له تعالى إلى سبب منفصل ، وهو محال ، فبقي الأول فيثبت أن المقتضى لكونه تعالى عالما ، ليس إلا ذاته المخصوصة.
وأما المقدمة الثالثة : إنه لما ثبت أنه تعالى يصح أن يكون عالما بكل واحد من المعلومات ، وثبت أن المقتضى لحصول تلك العالمية هو ذاته المخصوصة وجب الحكم بكونه تعالى عالما بجميع المعلومات. والدليل عليه : أن جميع العالميات صحيحة ، على تلك الذات. والذات موجبة ببعضها ، ونسبة تلك الذات إليها بأسرها على السوية ، فلم يكن كونها مقتضية لبعض تلك العالميات ، أولى من كونها مقتضية للبواقي. وقد ثبت أن تلك الذات مقتضية لحصول (٣) بعض تلك العالميات ، فوجب أن تكون مقتضية لحصول كلها ، لأن الرجحان حال حصول الاستواء غير معقول ، فيثبت أنه يجب كونه تعالى عالما
__________________
(١) من (م).
(٢) بعض (م ، س).
(٣) زيادة.